فضل الحمد و الشكر لله
أمر المؤمن كله خير له إن أصابه خير فشكر كان خيرا له، وإن أصابه شرّ فصبر كان خيرا له
عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "إن اللَّه تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة ويشرب الشربة فيحمده عليها"
عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول "إذا جمع اللَّه الأولين والآخرين يجيء مناد فينادي بصوت يسمعه الخلائق:
سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم،
ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون، وهم قليل،
ثم ينادي ليقم الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه فيقومون وهم قليل،
ثم ينادي ليقم الذين كانوا يحمدون اللَّه تعالى في السراء والضراء فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الناس"
عن يوسف بن ميمون عن الحسن رحمه اللَّه تعالى قال:
قال موسى عليه الصلاة والسلام لربه: يا رب كيف استطاع آدم أن يؤدى شكر ما صنعت إليه؟ خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له؟
قال: يا موسى علم آدم أن ذلك مني فحمدني عليه، فكان ذلك شكرا لما صنعت إليه.
وروى عن سعيد عن قتادة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "أربع من أعطيهن فقد أعطى خيري الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة صالحة"
وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"
وروى عن بعض التابعين رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: من تظاهرت عليه النعم فليكثر ذكر الحمد لله، ومن كثرت همومه فعليه بالاستغفار، ومن ألح عليه الفقر فليكثر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وروى الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "ما أنعم اللَّه على عبد من نعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا كان قد أعطى أفضل مما أخذ".
وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "عجبت لأمر المؤمن أمره كله خير له إن أصابه خير فشكر كان خيرا له، وإن أصابه شرّ فصبر كان خيرا له"
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال (خصلتان من كانتا فيه كتبه اللَّه عنده شاكراً صابراً: إحداهما أن ينظر في دينه إلى من هو فوقه فيقتدي به، وينظر في دنياه إلى من هو دونه فيحمد الله).
وعن مكحول رحمه اللَّه تعالى أنه سئل عن قوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ}.
قال: بارد الشراب، وظل المساكين، وشبع البطون واعتزال الخلق، ولذة النوم.
وروى أن سعيد بن جبير قال: أوّل من يدخل الجنة من يحمد اللَّه في السراء والضراء.
واعلم أخى الكريم أن الحمد والشكر عبادة الأولين والآخرين وعبادة الملائكة وعبادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعبادة أهل الأرض وعبادة أهل الجنة.
فأما عبادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهو أن آدم عليه السلام لما عطس قال الحمد لله.
وأن نوحا عليه الصلاة والسلام لما أغرق اللَّه قومه وأنجاه ومن معه من المؤمنين أمره اللَّه تعالى بأن يحمده فقال له: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الفُلْكِ فَقُلْ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ القَوْمِ الظَّالِمِينَ}
وقال إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}
وقال داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ}
وإن أهل الجنة يحمدون اللَّه تعالى في ستة مواضع: أحدها عند قوله تعالى {وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ} {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ القَوْمِ الظَّالِمِينَ}، والثاني حين جاوزوا الصراط قالوا: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} والثالث لما اغتسلوا بماء الحياة نظروا إلى الجنة فقالوا {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}، والرابع حين دخلوها قالوا {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} الخامس حين استقروا في منازلهم قالوا {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} الآية، والسادس حين فرغوا من الطعام قالوا {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.
وقال بعض الحكماء: اشتغلت بشكر أربعة أشياء:
أوّلها أن اللَّه تعالى خلق ألف صنف من الخلق ورأيت بني آدم أكرم الخلق فجعلني من الرجال، والثالث رأيت الإسلام أفضل الأديان وأحبها إلى اللَّه تعالى فجعلني مسلما، والرابع رأيت أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم أفضل الأمم فجعلني من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
وروى ميمون بن مهران عن بن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما أنه قال: إن لله تعالى من خلقه صفوة إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أنعموا شكروا وإذا ابتلوا صبروا.