السلام عليكم ورحمة الله
ملخص من موعظة
الشيخ محمد مختار الشنقيطي
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]
إنها النفس الظالمة, إنها النفس الآثمة,
إنها النفس الظلومة الغاشمة التي ما تركت باباً من الذنوب إلا قرعته,
ولا باباً من الإساءة إلا ولجته, أن تقول:
يا حسرتى!! وما أعظم الحسرة إذا خسر أصحابها, وعظمت خسارة أربابها, وخرجوا من الدنيا صفر اليدين من رحمة الله! ما أعظمها من خسارة إذا طويت الصحائف باللعنات! ما أعظمها من خسارة يوم يطبع على القلوب! يوم يتأذن غضب الله علام الغيوب؛ من عظيم الإساءة وعظيم الذنوب, ما أعظمها من خسارة يوم لا يستطيع الرجوع، يوم لا تنفع المعذرة ولا تغني الدموع, يوم يتقطع القلب من الألم، ويعتصر من شديد الندم! أن تقول نفس.. ومتى تقول؟ حين تضع آخر أقدامها من أعتاب هذه الدنيا وتستقبل الدار التي هي غريبة عليها, يوم تنقطع المعاذر, وتغص السكرات في الحناجر, ويصير العبد ذليلاً حقيراً إلى الله الواحد القاهر: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى [الزمر:56]
يا حسرتى.. يوم طال السهر،
يا حسرتى.. يوم ضاعت الأعمار,
يا حسرتى.. على الساعات واللحظات,
يا حسرتى.. على الليل والنهار,
يا حسرتى.. على أصحاب لم ينفعوا,
يا حسرتى.. على أحباب لا يشفعون,
يا حسرتى.. على عمر مضى وزمان ولّى وانقضى,
يا حسرتى.. إذا كشف الديوان بخطيئة اللسان وزلات الجنان,
يا حسرتى.. يوم يعرض على الله حافياً عارياً,
يا حسرتى.. إذا عرض الشباب وما فيه من خطأ وصواب, ولم يفقد العبد فيه زلة ولا حسنة بين يدي الله رب الأرباب,
يا حسرتى.. على ثلاثين عاماً أو أربعين أو خمسين أو ستين حين يلقى العبد بها الله رب العالمين.
يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] ذهب الليل فما تمتعت عيني بالبكاء فيه من خشية الله, ذهب الليل وما تمتعت قدمي بالوقوف بين يدي الله,
يا حسرتى.. يوم يذهب العمر دون وجود الغنيمة والذخر,
يا حسرتى.. يوم مضى ليله وطلعت شمسه ولم تنعم يداه بالسجود بين يدي الله,
يا حسرتى.. على صلاة أضعتها,
يا حسرتى.. على زكاة منعتها,
يا حسرتى.. على أيام أفطرتها,
يا حسرتى.. على ذنوب فعلتها,
يا حسرتى.. على خطايا تلبست بها,
يا حسرتى.. إذا كشف الديوان وعظم الوقوف بين يدي الله الواحد الديان!
يا حسرتى.. وهل تغني الحسرات؟!
يا حسرتى.. وهل يؤذن بالرجوع عند الممات؟
يا حسرتى.. يوم لم أشكر النعم,
يا حسرتى..يوم لم أشكر الله على دفع النقم,
يا حسرتى.. يوم لم يلهج لساني بذكره,
يا حسرتى.. يوم لم يتلذذ لساني بشكره,
يا حسرتاه.. يوم فاز الفائزون, وغنم الغانمون, وجئت صفر اليدين مما هم فيه يتنعمون,
يا حسرتى.. يوم فاز الصالحون بالدرجات, وسموا إليها بنفوس عاليات أبيات, ووقفت في الأخريات أنظر إليهم بتلك الحسرات,
يا حسرتى.. لو كنت مطيعاً على ما فرطت في جنب الله إذ كنت مستطيعاً,
يا حسرتى.. يوم يلفظها اللسان ويعتقدها الجنان فيخرج كل حرف منها من كل عضو وأركان.
يا حسرتى.. على ما فرطت في جنب الله لعظيم حقه عليّ, وجليل منته لديّ, فكم أنعم وتفضل وكم وهب وأجزل, سبحانه العلي الأكمل.
يا حسرتى.. يوم لم أعظمه حق تعظيمه, ولم أمجده حق تمجيده,
يا حسرتى.. على التفريط في جنب الله, يوم فتحت لي أبواب الخيرات فقلت: هيهات هيهات!! ما زالت الأعمار والبقيات
يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] يقولها المذنبون, ويوقن معناها المسيئون المخطئون.
يا حسرتى.. ولو كان العبد مطيعاً,
يا حسرتى.. ولو كان العبد خيراً ديناً مستقيماً؛ ولذلك سمى الله ذلك اليوم المشهود واللقاء الموعود بيوم التغابن؛ لأنه ما من نفس إلا وهي في غبن ولو كانت من نفوس الصالحين, في غبن أن لم يفوزوا بالخيرات, ولم يستكثروا من الطاعات, في غبن أن لم يفوزوا بالرحمات ولو كانوا على خيرات وحسنات.
يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56] فويل لذلك اللسان الذي تمتع بالسخرية من أولياء الرحمن, إنها الكلمة التي يقولها من زل لسانه وخاب جنانه، وأساءت جوارحه وأركانه,
يا حسرتى.. يوم ضحكت من المطيعين, واستهزأت بعباد الله الصالحين,
يا حسرتى.. يوم نظرت إليهم وهم ذاهبون إلى المساجد فقلت: إلى أين يذهبون؟!
يا حسرتى.. يوم رأيتهم مع كل راكع وساجد فقلت: لماذا يتعبون؟!
يا حسرتى.. إذ لم أقدر الله حق قدره, فاستهزأت بعباده واستخففت بأمره.
يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ