الصداقة
صحية وضرورية لأنها تحمينا من ناحية، وتُقوّينا من ناحية اخرى. فالبعض من
أصدقائنا يجيدون دور الممرض إن كنا مرضى، وبعضهم دور الأب أو الأم إن كنا
نعاني من مشكلة ما، لكن البعض منهم يلعبون دور المعالج النفسي فنعتقد أنهم
قادرون على تعويضه، لذلك احذروا من كمّ الخسائر التي قد يقود إليه سوء
التقدير هذا.
هل سبق أن لعبت دور معالج نفساني لصديق من أصدقائك؟ عليك أن تختبر نفسك.
هذاحوار افتراضي:ـ
تقول
إحداهن: «مرة اخرى واجهت أمس موقفا محزنا مع صديقتي، لا أعرف ماذا أفعل»
يسود صمت مطبق، ثم تجيب الثانية «إذا لم تقرري تحليل علاقتك بها بالتفصيل،
ستواجهين دوما المشاكل معها».
هذا
الحوار الافتراضي يبين، وفقا لتقرير اعده موقع {سيكولوجي دوت كوم}، كيف
ينزع البعض من أصدقائنا إلى لعب دور المحلل النفسي، معتقدين أنهم يدركون
أكثر من غيرهم حاجاتنا ورغباتنا والأسباب التي دفعتنا إلى اتخاذ هذا الموقف
أو سلوك هذا السلوك، من خلال سلسلة النصائح التي يمطروننا بها، أو
الاستماع إلى مشاكلنا ليل نهار، على أمل مساعدتنا في الخروج من حالة
الاكتئاب التي نعاني منها.
تحديد المشكلة
بالطبع
نستطيع أحيانا ولفترات محدودة وفي مواقف معينة، لعب دور الممرضة أو الأم
لأصدقائنا الذين يواجهون فترة عصيبة من حياتهم، وبالطبع في مقدورنا أيضا أن
نتحول إلى أذن تصغي بانتباه واهتمام إلى ما يروونه من دون مقاطعة، انه
واجب من واجبات الصداقة، لكن استماع المعالج يختلف تماما، ذلك انه يقوم على
إدراك مشاعر الآخر لمساعدته في تحديد مشكلته في البداية.
يقول
أحد المحللين النفسيين «الصديق هو واجهة أخرى لك، لا توجد صداقة من دون
مساواة في أشياء عدة، وعلى العكس من ذلك يعتبر الطبيب النفسي غريبا، يمكنه
أن يتواصل من الناحية النفسية مع آخر غريب عنه، وفي اعتقادي أن من يلعب دور
الطبيب النفسي ليس في مستوى متطلبات الصداقة الحقيقية».
بين القدرة والتعسف
لكن ماذا نفعل حين يطلب صديق مساعدتنا باستمرار؟
أن
تكون صديقا حقيقيا هو أن تتيقن من انك غير قادر على معالجته بفضل إرادتك
فقط، لكن عليك أن تحثه على زيارة الطبيب، لان دور الطبيب النفسي يكمن في
تفسير السلوكيات الإنسانية. هذه الوظيفة أصبحت اليوم مرادف المعرفة
والقدرة، وما بين القدرة والتعسف في استعمال الصلاحيات، لا توجد سوى خطوة
واحدة قد تقود إلى كارثة.
كانت
شابتان في العشرين من عمرهما تجلسان إلى طاولة في احد المقاهي. كانت
الأولى تذرف دموعا وتروي كيف فسخت خطبتها للتو، كانت قلقة وتتساءل «لماذا
لم أتمكن من الاحتفاظ بهذا الرجل؟ ما الذي أعاني منه بالضبط حتى اعجز في
هذا الأمر؟». فأجابتها صديقتها ببرود «بالتأكيد فسخ الخطبة مناسب جدا الآن،
ولأنك عجزت عن الاحتفاظ بكل هؤلاء الخطاب، فهذا يعني أنك تودين أن تكوني
وحيدة، وأن الخوف من الزواج يتملكك».
هذا
ما نستطيع تسميته بالتفسير الوحشي، انه تفسير فيه الكثير من التعسف،
وينمّي في الشابة الوحدة والانعزالية، والمرضى الذين يتابعون علاجا نفسيا
في مرحلته الأولى، يعرفون جيدا هذا النوع من الإجابات البربرية.
دور المنقذ
من
يلعب دور المنقذ الذي يعرف كل شيء يحاول في الواقع أن يتناسى مشاكله
الداخلية، لذلك تراه يتحول، بالطبع من دون أن يعترف بذلك، إلى كاتم الأسرار
المفضل، فيصبح مخبأ المشاكل الزوجية والحميمية، وهذه بالضبط حالة إيستيل
الخمسينية.
هذه
السيدة تحيط بها منذ فترة مجموعة من الصديقات اللواتي يعانين من مشاكل
فيلجأن إلى مساعدتها، لكنها لا تتحدث أبدا عن مشاكلها الخاصة أو معاناتها.
فهي تعالج ضعف الآخرين، لتواصل تجاهل ضعفها، إنها بحاجة إلى أصدقاء يواجهون مشاكل، حتى تتمكن من الشعور بالراحة والطمأنينة.
الصداقة الحقيقية
الصديق
الحقيقي هو من يسعى إلى سعادتك ويأمل دوما في أن تكون في مرتبة أعلى،
والصداقة الحقيقية هي أن ترى الآخر قويا وجميلا، وأما بعض العلاقات فليست
سوى علاقات اعتماد على الآخر، إنها ملاذ ليس للواحد فقط وإنما للطرفين.
والأطباء
النفسانيون فيما بينهم يمنعون أنفسهم من معالجة بعضهم، لأنهم زملاء وتراهم
يوجهون بعضهم إلى أطباء آخرين ولسانهم يقول «من الأفضل أن تستشير الطبيب
الفلاني»، لان سلطة الطبيب وقدرته على العلاج لا يمكن أبدا أن تتفوق على
قوة الصداقة.