معجزة النبي صلى الله عليه و سلم
سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أعظم الشرك فقال " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " والمعنى لا تستعينوا برزقي على عبادة غيري
سؤالان :
الأول : إن واضع اللغة هو الله عز وجل فإن كان كذلك فتفسير كلام الله لمن
توسع في اللغة وعرف معاني القرآن فإنه تتضح عنده المعاني الموضوعة لها
الألفاظ لكثرة إطلاعه على المواد
والجواب
: أنه لا ملازمة بين الألفاظ المشتركة الموضوعة ، وقد يريد الحق منها أحد
معانيها فيصرفه المفسر للمعنى الآخر الذي لم يقصده الحق تبارك وتعالى فيقع
الخطأ ، كالعين فإنها موضوعة للباصرة والجارية والذات والتقدير فتخصيص
أحدهما بالمعنى لا يفهم إلا بتفهيم الله له ، والقرائن لا تفهم شيئاً لأنها
قد تكون ظاهرة بحسب فهم القرينة والحال أن هناك قرينة غير هذه خفيت عنه
تظهر لغيره وقد يكون ليس معتمداً فيه على القرينة فلا يفهم معنى كلام الله
إلا بنور إلهي يفرق به العبد بين الحق والباطل ، وسبيله ليس الكسب فقد يفسر
العارف ويكون مراد الحق غير ذلك . بخلاف الذي أوقفه الله على مراده من
كتابه ، فإذا كان الفهم إلهيا فإن صاحبه لا يخطئ (بل هو آيات بينات في صدور
الذين أوتوا العلم) بالبناء على الفاعل
هذا
والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعض المرات لا يهتدون لمراد الحق من كل
الوجوه وإن كانوا لا يخطئون ، قال الله تعالى في حق داود وسليمان (ففهمناها
سليمان) والحال أن داود لم يخطئ وإنما حكم بحق (وكلا آيتنا حكما وعلما)
ولكن
لما كان حكمه فيه الضرر على صاحب الغنم ، وحكم سليمان لا ضرر فيه وهو مرض
للجانبين كان أولى والحق هو الذي أفهمه وذلك قول الله تعالى (إذ يحكمان في
الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) والنفش هو الرعي ليلاً
وقد حكم رسول الله r
على أصحاب الدواب أن يحفظوا دوابهم بالليل ، وعلى أصحاب الزرع أن يحفظونها
بالنهار ، فإن رعت ليلاً كان الضمان على أربابها ، وإن رعت نهاراً لا شئ
عليهم ، فداود حكم بالضمان فلم يخطئ ولكن لما قومت الغنم وصارت قيمتها
مساوية لقيمة الزرع حكم بأن تعطي الغنم لصاحب الزرع
والحكم
كذلك من جهة أن الغريم إذا كان دينه قدر المال يحكم له به ، ولكن لما كان
يمكن أن يوفى من غير ضرر بالمدين كان أولى ، فحكم سليمان أن يأخذ الغنم
صاحب الزرع فيحلبها ويأخذ الزرع صاحب الغنم فيسقيه حتى يعود إلى حاله الذي
أكلته فيه الغنم فيأخذ غنمه ويترك لصاحب الزرع زرعه
كان
ذلك أولى لأن صاحب الزرع كان يتعيش من زرعه وصاحب الغنم كان يتعيش منها
أيضاً ، فلما كانت معيشة صاحب الزرع هي التي تحمله على الاستعجال بالقيمة
أعطاه إياه فصبر وصاحب الغنم ثمرته أضاعها بتفريطه في الغنم فهذا هو الفهم أ
هـ
(الثاني)
: الزينة قد أمر الله بها ولم يحرمها ، فإذا أحب أحد الزينة من الناس
والله يقول (قل من حرم زينة الله) فما الحكم بذلك ؟ أ هـ
والجواب
: أن المراد بالزينة هي زينة الله أي التزين لله ، إن الله إذا أنعم على
عبده نعمة أحب أن ترى عليه كأن يتزين ليراه الحق متجملاً بما أعطاه ليحبه ،
لا ليراه الناس على صفة حسنة ، فتلك زينة الناس لا زينة الله فهي مراقبة
غير الله التي هي الرياء بعينه أ هـ
فكلهم
طلبوا البينة على أنه لا ريب فيه ، فقال تعالى : (وإن كنتم في ريب مما
نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعو شهداءكم من دون الله إن كنتم
صادقين)
هذا راجع لقوله : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)
علم الله أن هذا الرسول الذي أرسله لابد أن تطلب منه بينة حتى يتبع أعطاه بينة الإعجاز أ هـ
والريب
: التردد في الشئ ، وأثر (عبدنا) على رسولنا لأنهم لم يقروا برسالته ؛
ولا، العبودية أشرف الأشياء فلذلك وصفه الحق بها في أشرف أوقاته وهي ليلة
الإسراء فقال (سبحان الذي أسرى بعبده) تحداهم بسورة واحدة وهذا آخر الإعجاز
لأنه أولا طالبهم بالقرآن كله وذلك قوله (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا
صادقين)
لأنه
لا يحسن في العرف أن يطلب من أحد الشئ القليل فإن عجز طلب منه الشئ الكثير
فإن عجز طلب منه الأكثر لأنه لما عجز عن القليل من الكثير فالأكثر أعجز
وأعجز وإنما يطلب الكثير فإن عجز خفف عنه
وقوله
حجة وعناد وإظهار للعباد وإلا فهم يعرفون أنه من عند الله (فإنهم لا
يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فعجزوا فقال لهم لما قالوا
افتراه (قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله)
وقد دعاهم إلى الإيمان بها والعمل كما أنه دعا إلى الإيمان بالقرآن
فآمن
به رجال عقلاء يعرفونه وامتثلوا أحكامه ، ومن الذي يجيب إلى الإيمان بها
وهو يعلم أنها مفتريات افتراها فلان . ويلزم نفسه أحكاماً فقرأه عليهم
فعجزوا ولم يأتوا بشئ فقال لهم (فإن لم يستجيبوا لكم) أي إلى الإيمان بها
(فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) فقال في آية يونس أيضاً (أم يقولون افتراه
قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)
أي
ادعوهم إلى الإتيان بها والسورة ثلاث آيات فطلب منهم ثلاث آيات كالقرآن
لها معنى صحيح تخبر بأمر مغيب إما إخبار فيم مضي وإما بما سيكون كقوله (إنا
أعطيناك الكوثر) … الخ
وسبب نزولها لما مات ولد النبي صلى الله عليه و سلم القاسم
فقال المشركون : إن محمداً قد بتر : يعني انقطع نسله فنتربص به ريب المنون
، يموت كما يموت الناس فلا يبقى معه من يحيى دعوته ، فرد الله عليهم بقوله
(إنا أعطيناك الكوثر) أي أهل الكوثر فحذف المضاف أي إن أخذنا منك ولدا
واحدا فقد أعطيناك المؤمنين كلهم أولاداً لك يحيون دعوتك (النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) هكذا في مصحف أبي وعلى
أيضاً ، والمعنى كذلك من كانت زوجته أمك من أجلها فهو أبوك ، وهذا إخبار
بالغيب فإن الإسلام حين نزولها كان ضعيفاً ليس معه إلا خديجة وعلى ونحوهما
فلذلك يقولون (نتربص به ريب المنون)
وقوله
(فصل لربك) أي اسجد شكراً لهذه النعمة (وانحر) أي الأعداء بأهل الكوثر
الذين أعطيناكهم في نحور أعدائك وابترهم ، فلم يخلفهم من أولادهم أحد يحيى
دعوتهم بل من خلف ولداً ولده صار ولد النبي r
وبتر أوبه ، ونحرهم بأولادهم كأبي عبيدة عامر بن الجراح فإنه قتل أباه
الجراح يوم بدر ، وذلك أن أباه كان يتحرى أن يقتله فكلما رآه قبله حاد عنه
وأبوه لم يزل يتبعه ليرميه فلما رأى أنه لا يدعه قتله
وكخالد بن الوليد أبوه الوليد بن المغيرة كان من المؤذين لرسول اللهصلى الله عليه و سلم فأعطى الله ولده للنبي ، وكعكرمة بن أبي جل أعطاه للنبي r فدمرهم بأولادهم ثم قال (إن شانئك هو الأبتر)
وهذا
إخبار عن مغيب أيضاً لم يقع حينئذ ، لأن دين الكفر حينئذ كان في شدة وقوة ،
ولا يتخيل للناظر أنهم سيبترون ، فأخبرهم الحق في أقصر سورة بثلاث معجزات
الأولى : أن النبي له أولاد بلا عدد وهم أهل الكوثر
والثانية : فيها الأمر بنحرهم من قبل ظهورهم وكما أمر وقع
والثالثة / أخبره أن المشتركين هم المبتورون وكانوا حينئذ أقوياء بأنبائهم فانبتروا إلى الآن فما ثم من ينتسب إليهم أ هـ
فالمثلية
المطلوبة هي أن يؤتي بكلام فيه إخبار بالغيب إما الأخبار من الماضي كقصص
أدم وخروجه من الجنة ، وقصة نوح وإبراهيم وموسى وهارون ويوسف ، والله يقول
(وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر) (لقد كان في يوسف وإخوته
آيات للسائلين) أي آيات نبوة محمد r فإنه أخبر بأمر غيب ولم يكن يحضره لأنه لم يكن موجوداً بذاته في زمن يوسف
فكل
هذه القصص مكتوبة في الكتب السابقة التوارة والإنجيل وغيرهما ، وكل ما
حكاه سئل عنه أهل الكتاب الذين لم يجحدوه فقالوا ما أخطأ حرفاً واحداً ولم
يكن جالس أهل الكتاب بل كان راعياً للغنم ، وأبعد الناس عن القصص والأخبار
رعاة الغنم ، ولا يعرف الكتابة ، كتب له اسمه فلم يعرفه من طريق الظاهر
فلذلك
قال لعلي حين أراد محوه : أرنيه حين كتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله .
فقال أبو سفيان : لو علمنا أنك رسوله ما نازعناك اكتب محمد بن عبد الله
فقال لعلي : امحه ، واكتب محمد