بقدر ما تكون التوقعات والآمال مفيدة لأنها توقظ بداخلك الطموح للتطور
وتحقيق الأحلام ونيل الأهداف، إلا أن ارتفاع سقفها باستمرار قد يزيد من
احتمالات إصابتك بخيبة أمل كبيرة إذا وقف عائق خارج عن إرادتك في طريق
تحقيق توقعاتك وآمالك، فتجدين نفسك كمن ظل يرتفع حتى وصل إلى قمة السماء ثم
وجد نفسه فجأة يسقط بسرعة الصاروخ ليصطدم بمنتهى القوة بالأرض وتتناثر
شظاياه في كل مكان.
ولكن ليس معنى تحطم الحلم الكبير أن تيأسي وتبقي واقفة مكانك تبكين على
اللبن المسكوب، بل ما عليك فعله في هذه الحالة هو أن تتعلمي من المثل الذي
ضربه أحد خبراء التنمية البشرية لمثل هذه المواقف: تخيلي نفسك طفلا أخذ
ينفخ بالونا ملونا حتى أصبح كبيرا وجميلا، وقبل أن يجد الفرصة الكافية
ليلعب به ويقضي وقتا سعيدا، جاء طفل آخر حقود، وغرز في البالون دبوسا
لينفجر على الفور. هنا أمام الطفل الأول حلان: إما أن يأخذ في البكاء
والعويل على البالون الضائع، وإما أن يهدأ سريعا ويترك الفرصة لعقله ليعمل،
فيرشده إلى تناول المطاط المتخلف عن البالون الكبير، ومحاولة صنع بالون
آخر أصغر حجما منه بطريقة يدوية بسيطة ليلهو به ويسعد ويقضي وقتا جميلا.
إذا تحطم أحد آمالك وخاب أحد توقعاتك، فهذه ليست النهاية، ربما يكون موت
أحد الآمال سببا في ميلاد أمل آخر جديد، وربما يكون الدرس الذي تتعلمينه
في هذه الحالة أنه كلما قلت توقعاتك، انخفضت فرصة تحطم آمالك، وزادت فرصة
تحقيق أهدافك.
قد تقضين فترة طويلة من حياتك في التقرب لإحدى الصديقات، وتمنحينها حبك
واهتمامك وثقتك، وتفعلين الكثير من أجلها، ومع مضي الوقت وازدياد ما
تقدمينه لتلك الإنسانة، يرتفع سقف توقعاتك تجاهها، وتنتظرين أن تقوم هي من
أجلك بمثل ما تفعلينه دائما لأجلها بدون تردد، ودون أن تطلب هي منك.
لكنك تفاجئين يوما عند حدوث أحد المواقف أن صديقتك الغالية التي طالما
قدمت لها الكثير، ليست مستعدة لمنحك من اهتمامها ووقتها ومشاعرها ورعايتها
ما يكفي! وهنا قد تشعرين بالندم على كل ما قدمته لهذه الصديقة، وقد توجهين
اللوم لنفسك على سذاجتك وطيبة قلبك التي جعلتك تفترضين أن مشاعرها تجاهك
تماثل ما تكنينه لها واستعدادها للعطاء هو نفسه استعدادك. وبالطبع ستتملكك
خيبة أمل كبيرة بعد أن ارتفع سقف توقعاتك بالنسبة لتلك الصديقة إلى عنان
السماء، ثم اكتشفت أن أفكارك لم تكن سوى سراب.
قد تنتهي علاقتك بتلك الصديقة أو تستمر برؤية مختلفة من جانبك، لكن في
النهاية الدرس الذي يجب أن تتعلميه هو ألا تتوقعي الكثير من الآخرين مهما
قدمت لهم، والأهم هو ألا تندمي أبدا على خير قدمته في يوم من الأيام، حتى
وإن وجدت فيما بعد أنك قد قدمته لمن لا يستحقه، وتذكري المثل الشعبي الذي
يقول "اعمل الخير، وألقه في البحر".
إذا توقفت عن توقع أشياء بعينها من الآخرين، ورضيت بما يقدمونه لك أيا
ما كان، سيختلف الأمر تماما، وستتعلمين الرضا بما تحصلين عليه أيا كان.
بتوقعات أقل، ستضحكين أكثر من قلبك، وتتفاجئين من أبسط الأحداث في حياتك، وستشعرين بسعادة أكبر من أبسط الأشياء.
فمثلا إذا لم تقضي العام الدراسي تحلمين بهدية النجاح الكبيرة والغالية
التي سيحضرها لك والدك في نهاية العام وبعد ظهور النتيجة، لن تنزعجي بعد
ذلك إذا اكتشفت أن الهدية التي يمكنه تقديمها لك هي نزهة جميلة مع الأسرة،
أو ثوب جديد وبسيط. لكن لو امتد سقف توقعاتك لرحلة خارج البلاد أو شراء
جهاز كمبيوتر متطور مرتفع الثمن أو حلى ذهبية غالية، هنا سيحدث الإحباط
الكبير، ولن تسعدي بهديتك ما دامت قد خالفت توقعاتك الكبيرة