جاء الإسلام وهو دين الرحمة والسماحة بشريعة كاملة خاتمة, تضمَّنت كل شيء من أمر الدنيا والآخرة, ولم تهمل شيئاً؛ كيف وهي وحي رب العالمين للناس أجمعين, وهي الديانة الخاتمة التي لا يقبل الله غيرها.
ومن الحقوق التي جاءت بها هذه الشريعة حق المملوك والخادم الذي يكون عند المسلم, فمن هذه الحقوق:
أن يشركه في طعمته, وكسوته, ولا يكلفه فوق طاقته, ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء, وأن يعفو عن زلته, ويتفكر عند غضبه عليه بهفوته, أو بجنايته في معاصيه, وجنايته على حق الله تعالى, وتقصيره في طاعته, مع أن قدرة الله عليه فوق قدرته.
وقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد هذا المعنى وتحضّ عليه, فمنها:
عن أنسٍ رضي الله عنه قال:" خدمتُ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أفٍّ قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا ". رواه الشيخان.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:" ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ". أخرجه مسلم (79).
وفي رواية:" ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله ". رواه الشيخان.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:" ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه, وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم ". أخرجه الشيخان.
" إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه؛ فليجلسه معه, فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين ". أخرجه الشيخان.
وروى أبو داود والترمذي :" أن رجلا قال : يا رسول الله كم أعفو عن الخادم ؟ قال : كل يوم سبعين مرة ". وصححه الألباني.
وصح عنه في الرقيق أنه قال:" أطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ". رواه مسلم
وقال عليه السلام:" للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ". أخرجه مسلم (1662).
ومِن ذلك نهيُه للمملوك أن يقول لسيِّده أو لسيدته, فقال: « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي, وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ رَبِّي وَرَبَّتِي, وَلْيَقُلِ الْمَالِكُ فَتَاي وَفَتَاتي, وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي, فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
وأخرجه البخاري, عَنِ الْمَعْرُورِ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ".
وبعد فهذه شذراتٌ من أقوال الرسول الكريم الرؤوف الرحيم التي تدلّ على كمال هذا الدين وسمو أهدافه وكمال عدله؛ كيف وهو تنزيل من حكيم حميد.