أروى المدلّلة
كلما سارت أروى في الشارع المؤدي لمنزلها، سمعت كلمات يقولها بعض الجيران عنها: ها هي الفتاة المزعجة المشاكسة المتعجرفة ذاهبة وسوف نرتاح قليلا
أروى عمرها 6 سنوات، هي الوحيدة لوالديها ولهذا فهم يدللاها كثيراً وينفذان كل ما تطلبه حتى اعتادت على هذا. منذ مولدها لم يرفض لها أحد طلبها مهما كان. وكانت تدرك هذا، فكانت دائماً تطلب وهي متأكدة من أن طلباتها ستكون مجابة.
في يوم من الأيام تنبهت أمها إلى أن ابنتها أنانية لا تشرك أحداً في شيء، سواء كانت لعبة، أم كان كتاباً أو طعاماً. واكتشفت أيضاً أن أكثر الأطفال لا يحبون اللعب مع ابنتها لأنها - حسب قولهم – تأمرهم وتطلب أن تطاع، وأحياناً تبكيهم.
فهمت الأم أن تصرف ابنتها مسؤوليتها وخطأ منها ومن والدها، فلولا دلالهما المفرط ومنحها كل ما تطلب، لكانت أفضل ولكان لديها صديقات تشاركهن اللعب. حالياً بدأت المدرسة ودخلت أروى عامها الدراسي الأول في فصل به مدرسة جادة جدا، والمدرسة كانت قوية تعلم الأطفال كيفية التصرف والتعامل بأخلاق حميدة.
كل من في الفصل لاحظ أن أروى ذكية جداً، ولكن لم تتمكن من الحصول على صديقات حتى دخلت أماني الفصل.
أماني كانت جديدة في المدينة وخجولة جداً ولم تكن تجرؤ على الكلام مع أحد، ولهذا فقد تمكنت أروى من التقرب منها، فأماني ضعيفة ووجدت أروى بشخصيتها القوية والمتسلطة أنها قادرة على جعلها تؤدي لها بعض المهمات وتأمرها كما تشاء، وطبعاً وجدت من تلعب معها.
في يوم ما، أنبت المعلمة أماني لأنها لم تفكر قبل أن تحل مسائل الجمع، فأجابتها كلها خطأ.
بكت أماني بمرارة عندما ضحك عليها الأطفال. فالمعلمة قد قامت بالشرح بشكل وافي، ولكن لم تفهم أماني شيئا وخجلت ولم تسأل المعلمة.
أخبرت أروى أمها عن صديقتها أماني وبكائها في الفصل. اقترحت أمها: "لمَ لا تحاولين مساعدتها وشرح الدرس لها ببساطة؟ فهي تحبك جدا وأعتقد أنها ستفهم شرحك أكثر لأنه أبسط."
فقالت أروى: "يا أمي، ليس لدي وقت أضيعه، ماذا أفعل لها إن كان عقلها لا يستوعب؟"
قالت أمها: "ولكن أماني صديقتك المفضلة وهيا تحبك جدا وليس لديك صديقة غيرها لأن الجميع وكما تعلمين يبتعدون عنك ويخافون من شخصيتك القوية، وإن لم تساعديها، فمن سيفعل؟"
ثم قررت أمها أن تخبرها بقصة النملة والحمامة: "حدث في يوم أن سقطت نملة في نبع ماء وبدأت بيأس تحاول إنقاذ نفسها. رأتها حمامة فقطعت ورقة شجرة ورمتها بقربها فصعدت النملة عليها وتمكنت من الوصول إلى الدفة. بعد مدة، جاء صياد يصطاد الطيور ووقفت تحت الشجرة ليصطاد الحمامة النائمة. النملة رأتها وتنبهت لما ينوي فعله، فقرصته بساقه. صرخ الصياد متألماً فاستيقظت الحمامة على صوته وعرفت ما يجري، فطارت هاربة."
أكملت الأم: "هل فهمت المغزى من القصة يا أروى؟ القصة تعني أنك إن قمتِ بعمل خير سيعود الخير عليكِ."
قالت أروى: "هذه مجرد قصة وهي للأطفال الصغار وأنا كبيرة وجميلة جدا وأعلم كيف أتصرف ."
وهنا وجدت الأم نفسها مضطرة لأن تكون أكثر جدية مع ابنتها، فقالت: "إن لم تساعديها، سأحرمك من مشاهدة برامج الأطفال لمدة أسبوع."
هنا وجدت أروى نفسها مرغمة على عمل ما قالته أمها على مضض. قامت أروى بمساعدة أماني، وبكل بساطة فهمت أماني الدرس من صديقتها لأنها كانت قريبة جدا من نفسها والأصدقاء بكل تأكيد يفهمون على بعضهم .
وعندما سألتها المعلمة، أجابت أماني بالإجابة الصحيحة. مدحتها المعلمة أمام الفصل فشعرت أماني بالفخر والسعادة وأخبرت الجميع أن معلمتها كانت أروى، وكيف أن أروى صديقة مخلصة ووفية. ولكن أروى كانت ترغب بنسيان هذا الموقف لأنها أجبرت عليه وهي لم تعتد على أن يجبرها أحد على شيء.
في هذه الفترة كانت أماني تحاول إيجاد أي سبيل لرد المعروف ل أروى، وحانت الفرصة بسرعة.
في أحد الأيام، غضبت أروى فقامت بشتم طالبة في المدرسة أصغر منها، وهذه الألفاظ ممنوعة تماماً في المدرسة. كما أنها قامت بدفع فتاة أخرى، سقطت الفتاة وجرحت ركبتها.
عرفت مديرة المدرسة بالأمر فأنبت أروى أمام الطلاب خلال اللقاء الصباحي. كما أنها عاقبتها بأن تبقيها بعد انتهاء دوام المدرسة حتى تنظف كل الفصول من الأوراق. تحطم قلب أروى ، وهيا التي كانت متكبرة جداً ولم يهنها أحد هكذا من قبل. كانت تتمنى في هذه اللحظة أن تبتلعها الأرض حتى لا تضطر للنظر في وجه أي أحد.
بعد الانتهاء من المدرسة في هذا اليوم، تركت أروى وحدها في المدرسة لتنظيف الفصول، فقامت بعمل ما شعرت به طوال النهار، بكت ثم بكت وبكت حتى جفت دموعها.
وعندها حضرت صديقتها أماني لتجدها تبكي بمرارة وندم. فبقيت معها وعانقتها بحرارة وتوسلت إليها أن تتوقف عن البكاء فهي لا تحب أن ترى دموع أغلى إنسانة على نفسها وحاولت جاهدة التخفيف عن صديقتها وقامت من فورها وساعدتها حتى أنهت العمل الموكل إليها. وعندها تذكرت أروى القصة التي قصتها عليها أمها فعانقت صديقتها الوفية أماني وقبلتها وطلبت منها أن تسامحها على تكبرها عليها . ومن هذا اليوم تغيرت أروى وأصبحت فتاة طيبة، كما أصبحت هي وأماني أفضل صديقتين .
نهاية الكلمات ...