ينتابني شعور غريب بالوحدة، الناس من حولي يضحكون، يصرخون، ينادون، الدنيا مزدحمة بالبشر، الازدحام الذي يصيبك بالصداع، يثير في نفسك الشعور بالغثيان، الشوارع ممتلئة، الأزقة، الطرق، كلها عن آخرها.
المباني تكتظ بالرجال والنساء
والأطفال، السيارات من كثرتها أعاقت حركة المرور، ترتفع أعمدة الدخان
الأسود الرمادي من أنحاء الأفق روائح منتشرة تزكم الأنوف، وتصيب من تصل
إليه بالدوار.
السماء يميل لونها من الحمرة إلى بداية الاصفرار، الأرض ملتهبة بأشعة الشمس الساقطة في عناد،
لا هواء بارد، لا نسيم ينعش، لا قزعة سحاب تظل رأسك، والناس مشغولون، من
البيت إلى العمل، ومن العمل إلى البيت، من عزاء ميت إلى تهنئة عروس، ضحك من
غير سرور، وبكاء من غير حرقة.
الكل يدور في دوامة الزمن، والكل يمضي مع عجلة الحياة، منهم من تمتد به الأعمار إلى المائة، ومنهم من تتخطفه يد المنايا في المهد، والكل يمضي.
منهم من تشاد له صروح الأماني
والأمجاد، ومنهم من تتحطم على رأسه أركان أحلامه وطموحاته، والكل يمضي،
منهم من لا تفارقه بسمته، ومنهم من لا ينفك عبوسه، والكل يمضي.
كلهم يسيرون نحو النهاية المشتركة، كلهم يندفعون إلى تلك النقطة مع تيار الحياة المتدفق،
ولكن أليس منهم واحد أو اثنان، يقلب الشوك ورداً؟ يصنع من الحياة رحلة
حلوة؟ يدهن السماء بلون وردي، أو لؤلؤي؟ يزرع الأرض بالحب بالدفء بالحنان؟
يجمع الناس على المودة؟ ويضمهم برباط الأخوة؟ يثير في أنحاء العالم رائحة
الياسمين؟ يزيل من الدنيا الظلام والسواد، ويمل أرجاءها بالنور الساطع
والبياض اللامع؟.
إن لم يكن فيهم واحد أو اثنان، فوا عجبي حين تسألني ذلك السؤال العجيب: لم تشعر بالوحدة؟