احاديث الخشوع في الصلاة
الخشوع في الصلاة، هو روحها وَلُبُّهَا ويكثر ثوابها أو يقل، حسبما عقله المصلى منها، ولذا أثنى الله تعالى
على الذين هم في صلاتهم خاشعون بأنهم الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون.
ولإحضار القلب في الصلاة، أسباب:
منها: الاستعاذة من الشيطان، وتدبر قراءة الصلاة، وأنواع الذكر فيها.
ومنها: جعل السترة، وجعل النظرة موضع السجود، كما أن دخول الإنسان فيها بعد الفراغ من الشاغلات عنها،
كالنوم، وشهوة الطعام والشراب، من أقوى أسباب إحضار القلب.
ولذا نهى عن الصلاة حال حضور الطعام، أو مدافعة الأخبثين . لأن في ذلك مشغلة عن الصلاة.
وذهب الجمهور من العلماء إلى صحة صلاة من غلبت على صلاته الوساوس ولكن مع نقص ثوابها.
وذهب أبو حامد الغزالي ، وابن الجوزي، إلى بطلانها.
الحديث
عَنْ
عَائِشَةَ رضيَ الله عَنْهَا أنَ النَّبَّي صلى الله عليه وسلم صَلَّىِ في
خَمِيصةٍ، لَهَا أعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلى أعْلاَمِهَا نَظْرَةً،
فَلَمَّا
انْصَرَف قالَ: " اذهبوا بخَمِيصتي هذه إِلى أبي جَهْمٍ ، وَأْتُوني
بِأنْبِجَانيَّة ِ أبي جَهْمٍ ، فإنهَا أَلْهَتْني آنِفاً عَن صَلاتي.
غريب الحديث:
1- خميصة لها أعلام : كساء مربع مخطط بألوان مختلفة. وقال ابن الأثير:
هي ثوب خز أو صوف معلم. وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة.
2- الأنْبِجانيّة: كساء غليظ، ليس له أعلام، وهي بفتح الهمزة وسكون النون، وكسر الباء الموحدة، وبعد الألف
نون مكسورة،
بعدها ياء مشددة، ثم تاء التأنيث. منسوبة إلى بلد تسمى أنبجان. وقد وردت هذه الكلمة بفتح الباء وهي نسبة على غير
قياس إلى منبج البلد المعروف في بلاد الشام. ومثلها منبجاني. وهى كساء من الصوف له خمل وليس له علم وتعد من
أدون الثياب الغليظة.
3- آنفاً:- يعنى الآن.
المعنى الإجمالي :
أهدى " أبو جهم " إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، خميصة لها أعلام.
وكان من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية جبراً لخاطر المهدى، فقبلها صلى الله عليه وسلم منه،
وصلى بها.
ولكونها ذات أعلام يتعلق بها النظر، ألهَتْه صلى الله عليه وسلم عن كامل الحضور في صلاته، وهو صلى الله عليه
وسلم كامل، لا يصدر عنه من الأعمال إلا الكامل.
فأمرهم أن يعيدوا هذه الخميصة المعلمة إلى المهدى " أبى جهم ".
وحتى لا يكون في قلب " أبي جهم " شيء من رد الهدية، وليطمئن قلبه، أمرهم أن يأتوه بكساء أبي جهم، الذي لم يعلم.
وهذا من كمال هديه صلى الله عليه وسلم.
ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعية الخشوع في الصلاة، وفعل الأسباب الجالبة له، والابتعاد عن كل ما يشغل في الصلاة.
2- أن اشتغال القلب اليسير، لا يقدح في الصلاة.
3- كراهة تزويق المساجد، ونقشها، والكتابة فيها، لما يجلبه من اشتغال المصلين في النظر إليها.
4- فيه جواز لبس الملابس المعلمة للرجال.
5- وفيه استحباب قبول الهدية، جبراً لقلب المهدي، وتودُّداً إليه.
6- وفيه أنه لا بأس من رد الهدية لسبب، ولكن مع بيان السبب لصاحبها، حتى لا يقع في قلبه شيء.
7- وفيه حسن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث ردَّ عليه الكساء المعلم، وطلب الكساء الذي ليس فيه أعلام،
ليعلمه أنه غير مترفع عن هديته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولاريب أن الوسواس كلما قل في الصلاة كان أكمل، والذي يعين على ذلك شيئان: قوة المقتضي، وضعف الشاغل.
أما الأول: فاجتهاد العبد في أن يعقل ما يقوله ويفعله، ويتدبر القراءة والذكر والدعاء، ويستحضر أنه مناج لله تعالى كأنه
يراه، فإن المصلى يناجي ربه، والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم كلما ذاق العبد حلاوة
الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان، والأسباب المقوية للإيمان كثيرة:
فإن مافي القلب من معرفة الله ومحبته وخشيته وإخلاص الدين له وخوفه ورجائه والتصديق بأخباره وغير ذلك مما يتباين
الناس فيه ويتفاضلون تفاضلا عظيما. ويقوي ذلك كلما ازداد العبد تدبرا للقرآن، وفهما ومعرفة بأسماء الله وصفاته
وعظمته، وأظهر فقره إليه في عبادته، اشتغاله به، فإنه لا صلاح له إلا بأن يكون الله هو معبوده الذي يطمئن إليه،
ويأنس به، ويلتذ بذكره، ولاحصول لهذا إلا بإعانة الله، ومتى لم يعنه الله على ذلك لم يصلحه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الثاني: زوال العوارض، وهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب من تفكر الإنسان فيما لا يفيده في عبادته، وتدبر الجواذب
التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة ، وهذا في كل عبد بحسبه، فإن كثرة الوساوس بحسب كثرة الشبهات والشهوات،
وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والعبد الكيس يجتهد في كمال الحضور، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم .
بَابُ الجَمْع
بين الصلاتين في السفر
لما كان السفر مظنة المشقة، رخص فيه الشارع بعض الرخص في العبادات، تيسيراً على عباده ورحمة بهم.
ومن تلك الرخص، إباحة الجمع للمسافر، الذي ربما أدركه وقت الصلاة وهُو جادُّ في سفره.
فأبيح له أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين صلاتي المغرب والعشاء، في وقت إحداهما أيضا.
وهذا كله من سماحة الشريعة المحمدية ويسرها وهو فضل من الله تعالى، لئلا يجعل علينا في الدين من حرج.
عَنْ عَبْدِ الله بن عَبَّاس رَضِيَ الله عَنْهَما قال : كَان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم
يَجْمَعُ بَيْن صَلاَةِ الظُّْهرِ وَالعَصْرِ إذَا كان عَلى ظَهْر سَيْر، وَيَجْمَعُ بينَ الْمَغْرِب وَالعِشَاء
المعنى الإِجمالي:
كان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر وجدَّ به السير في سفره، الجمع بين الظهر والعصر، إما تقديماً،
أو تأخيراً، والجمع بين المغرب والعشاء، إما تقديماً أو تأخيراً، يراعى في ذاك الأرفق به وبمن معه من المسافرين،
فيكون سفره سبباً في جمعه الصلاتين، في وقت إحداهما، لأن الوقت صار وقتاً للصلاتين كلتيهما.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في الجمع. فذهب كثير من الصحابة والتابعين إلى جواز الجمع تقديماً أو تأخيراً وهو مذهب الشافعي،
وأحمد، والثوري، مستدلين بأحاديث عن ابن عباس، وابن عمر، ومنها حديث معاذ " أن النبي صلى الله عليه وسلم
إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر صلاة الظهر حتى يجمعها إلى العصر، يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ
الشمس، صلى الظهر و العصر جميعاً ثم سار. وكان إذا ارتحل قبل المغرب، أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء،
وإذا ارتحل بعد المغرب يعجل العشاء فصلاها مع المغرب " رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي.
و قد صحح بعض الأئمة هذا الحديث، وتكلم فيه بعضهم الآَخر، وأصله في مسلم بدون جمع التقديم.
وذهب أبو حنيفة وصاحباه، والحسن، والنخعي: إلى عدم جواز الجمع. فتأولوا أحاديث الجمع بأنه جمع صُورِيٌّ.
وصفته- عندهم- أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها فيصليها، ثم يصلى بعدها العصر في أول وقتها، وكذلك المغرب والعشاء.
وهذا تعسُّف وخلاف المفهوم من لفظ الجمع، الذي معناه جعل الصلاتين في وقت إحداهما، ويعكر عليه أيضا ثبوت جمع
التقديم وهو ينافي هذه الطرق
في التأويل. ذكر الخطابي وابن عبد البر أن الجمع رخصة، والإتيان بالصلاتين إحداهما في آخر وقتها، والثانية في أول
وفتها فيه ضيق، إذ لا يدركه أكثر الخاصة، فما رأيك بالعامة؟.
وذهب ابن حزم، ورواية عن مالك: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم. وأجابوا عن الأحاديث، بما قاله بعض العلماء
من المقال فيها.
واختلفوا أيضاً في حكم الجمع.
فذهب الشافعي وأحمد والجمهور، إلى أن السفر سبب في جمع التقديم والتأخير، وهو رواية عن مالك.
وذهب مالك في المشهور عنه إلى اختصاص الجمع بوقت الحاجة، وهى إذا جدَّ به السير، واختارها شيخ الإسلام "
ابن تيمية " وقرى ذلك " ابن القيم" في" الهدى ": قال الباجي: كراهة مالك للجمع خشية أن يفعله من يقدر عليه
دون مشقة وأما إباحته إذا جد به السفر فلحديث ابن عمر. وذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز الجمع إلا في عرفة
و مزدلفة، للنسك لا للسفر.
واستدل الجمهور بأحاديث الجمع المطلقة عن تقييد السفر بنازل أو جادّ في السَّيْر، ومنها ما جاء في الموطأ عن
معاذ بن جبل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوما في غزوة تبوك ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر
جميعاً ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء. قال ابن عبد البر: هذا الحديث ثابت الإسناد وذكر الشافعي في
الأم وابن عبد البر والباجي أن دخوله وخروجه صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا وهو نازل غير جاد في السفر
وفي هذا رد قاطع على من قال: لا يجمع إلا من جد به السفر. أما دليل الإمام مالك، وشيخ الإسلام، وابن القيم،
فحديث ابن عمر أنه كان إذا جدَّ به السير، جمع بين المغرب والعشاء ويقول: " إن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا جد به السير جع بينهما ".
ولكن عند الجمهور زيادة دلالة في أحاديثها يحسن قبولها.
ولأن السفر موطن مشقة في النزول والسير، ولأن رخصة الجمع ما جعلت إلا للتسهيل فيه.
" وابن القيم " في " الهدى " جعل حديث معاذ و نحوه من أدلته، على أن رخصة الجمع لا تكون إلا في وقت
الجِدِّ في السير. أما رأى أبي حنيفة فمردود بالسنن الصحيحة الصريحة .
فوائد :
الأولى : ما ذكره المؤلف في الجمع لأجل السفر وهناك أعذار غير السفر تبيح الجمع.
منها: المطر، فقد روى " البخاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم "- جمع بين المغرب و العشاء في ليلة مطيرة ".
وخص الجمع هناك بالمغرب والعشاء فقط دون الظهر والعصر، وجوزه جماعة منهم الإمام أحمد وأصحابه.
وكذلك المرض، فقد روى " مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم " جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء،
من غير خوف ولا مطر " وفي رواية " من غير خوف ولا سفر ". وليس هناك إلا المرض. وقد جوزه كثير من
العلماء، منهم مالك وأحمد و إسحاق والحسن. وقال به جماعة من الشافعية فمنهم الخطابي، واختاره النووي في صحيح
مسلم، وذكر ابن تيمية أن الإمام أحمد نص على جواز الجمع للحرج وللشغل بحديث روى في ذلك.
وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة، و هو نوع من المرض.
الفائدة الثانية :
أن السفر الذي يباح فيه الجمع، قد اختلف العلماء في تحديده. فجعله الإمامان، الشافعى، وأحمد، يومين قاصدين، يعنى
ستة عشر فرسخاً .
واختار الشيخ تقي الدين أن كل ما يسمى سفرا، طال أو قصر، أبيح فيه الجمع، وأنه لا يتقدر بمدة، وقال: إن نصوص
الكتاب والسنة ليس فيها تفريق بين سفر طويل وسفر قصير، فمن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ماجمع الله بينه فرقاً
لا أصل له. وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو مذهب الظاهرية. ونصره صاحب المغنى.
وقال " ابن القيم " في " الهدى " : " وأما مايروي عنه من التحديد باليوم.
أو اليومين، أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة ".
الفائدة الثالثة:
عند جمهور العلماء، أن ترك الجمع أفضل من الجمع، إلا في جَمْعَيْ عرفة ومزدلفة، لما في ذلك من المصلحة.
ما يؤخذ من الحديث:
1- جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء.
2- عموم الحديث يفيد جواز جمع التقديم والتأخير، بين الصلاتين، وقد دلت عليه الأدلة كما تقدم.
- ظاهره أنه خاص بما إذا جدَّ به السَّيْر، وتقدم الخلاف في ذلك وأدلة العلماء فيه. قال ابن دقيق العيد: والحديث يدل
على الجمع إذا كان على ظهر سير، ولولا ورود غيره من الأحاديث بالجمع في غير هذه الحالة لكان الدليل يقتضي
امتناع الجمع في غيره، فجواز الجمع في هذا الحديث قد علق بصفة لم يكن ليجوز إلغاؤها، لكن إذا صح الجمع في
حالة النزول فالعمل به أولى، لقيام دليل آخر على الجواز في غير هذه الصورة، أعنى السير، وقيام ذلك الدليل يدل
على إلغاء اعتبار هذا الوصف، و لا يمكن أن يعارض ذلك الدليِل بالمفهوم من هذا الحديث، لأن في دلالة ذلك المنطوق
على الجواز في تلك الصورة بخصوصها أرجح.
4- يدل الحديث وغيره من الأحاديث أن الجمع يختص بالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وأن الفجر لا
تجمع إلى شيء منها.
كتاب تيسير العلام
______
منقووول للفائده
مع تحياتي
بنت العراق
تشااااااو
لقائي يتجدد معكم باذنهـ تعالى
ادعوا الله ان يجمعنا في جنان النعيم ولا يفرقنا