لاتتركيني يأمي
...ما كن الفراق علي خاطري ولكن تقادير الزماني عجيبة .
قراءة ثم بكيت من الألم الفراق ولحضات الوداع بين ام وابنها
هذه القصة المؤ المة....
أنزلت السماء ستارها الأسود، وعاد كلً إلى داره ليستريح من عناء يوم شاق، فعم السكون الأروقة والشوارع وكان في إحدى الحارات بيت صغير تسكنه أم مريضة وثلاثة أبناء، توفي والدهم جراء حادث سير بعد ولادة الطفل الثالث بعدة أشهر.
تحملت الأم المسؤولية لوحدها وربتهم على الحب والعطف وملأت قلوبهم بالتقوى والإيمان بالله على الرغم من كونهم صغاراً. وفي إحدى الليالي وكالعادة ذهب الصغار للنوم، إلا أن الولد الأكبر ظل مستيقظاً، توجه نحو والدته ليسألها ؟
أتحبينني يا أمي؟
ما الداعي لهذا السؤال؟! ثم ابتسمت وقالت : كيف لا أحبك وأنت قرة عين أمك.
فسألها ثانية:
إذن، لماذا لا تأخذيني في حضنك مثلما تفعلين دائماً مع إخوتي الصغار؟!
ابتسمت مجدداً فقالت : أنا أعلم يا حبيبي بأنني أقسو عليك في بعض الأحيان لأنك البكر الذي سأتكل عليه من بعد الله أرى فيه عوضي لما عانيت في هذه الحياة.
اعلم يا عمري - إن في قسوتي عليك منفعة لك، فأنا لن أبقى معك طويلاً، فلا تظن أنني أكرهك، لا وألف لا .. وإنما أنت وقد بلغت من العمر ما يجعلني أقسو عليك قليلاً حتى تقوى شخصيتك، ولكي تستطيع بعدها الاعتماد على نفسك من دوني . عندها بكى الصغير وأخبرها بأنه لا يزال صغيراً ويرغب في المبيت الليلة في حضنها فهو يحبها كثيراً ولا يريد أن يفقدها .
حكى لها بما يراه كل يوم في منامه وبأنه يستيقظ من نومه ليجد نفسه يبكي ودمعه على خده، فينهض من فراشه ليراها نائمة فيطمئن عليها ومن ثم يعود لفراشه كي ينام مجدداً.
ضمته إليها برفق ثم سألته : ما الذي يبكيك يا نظر عين أمك؟!
نظر إليها وقد أغرورقت عيناه البريئتان بالدموع وبصوت حزين أجابها : أحلمك تموتين .. أحلمك تموتين.
لا تتركينا يا أمي، ثم أجهش بالبكاء..
ظلت تقبله حتى هدأ فواصل الحديث: أحياناً أراك في حلمي تركبين قطاراً سريعاً وتخرجين رأسك من نافذة القطار فيرتطم رأسك بجدار احد الأنفاق وتارة أراك في طائرة تحلقين فتخرجين رأسك من النافذة وتسقطين، وغيرها .. كثير من الكوابيس.
تنهدت الأم عميقاً ثم قالت: صغيري، أريد أن تعلم أن الموت حق على كل نفس، ونحن يا حبيبي أمانات استودعها الرحمن على هذه الأرض ومتى أراد أخذها لن يقف احد في طريقه، وأنت تحب الله ومؤمن به.
فلا تخف، وبإذن الله سيطيل الله في عمري لأراك رجلاً وأرى أطفالك الأشقياء..
نام الصغير وانسحبت الأم من الغرفة بهدوء بعد أن فاضت عيناها بالدموع، وتوجهت لربها متضرعة وراجية رحمته بأن يحفظ لها صغارها ويطيل في عمرها لأنهم بأمس الحاجة إليها. كانت الأم تعاني من مرض، لا تعرف ما هو ، لم تحك لأحد بما ينهش جسدها، فلم تسمح لها الظروف أن تذهب إلى الطبيب للكشف لتتعرف ما يحصل لها في بعض الأوقات . كانت تفضل أطفالها على نفسها بالنقود التي تحصل عليها والتي بالكاد تكفي لإطعامهم.
أشرقت شمس يوم جديد ، واستيقظت معظم المخلوقات وقبل أن يخرج الولد من المنزل ضمته إليها بقوة وقبلته ثم أسمعته آخر كلماتها، ولم يكن يعلم بأنها الأخيرة :بني: أنتبه لنفسك ولإخوتك وتوكل على الله في كل أمورك فالله معك، وأنا معك حتى إن لم أكن معك.
بعدها أنطلق مسرعاً ليتسلم نتيجة إنهائه المرحلة الإعدادية وكالعادة جاء الأول على المدرسة.
وعند عودته إلى المنزل وهو في الطريق مسرعاً ليفرح أمه وجد عدداً من الرجال أمام المنزل، تقدم بخوف نحو المنزل ثم سمع أصوات عويل تتيه من منزله ، أسرع بالدخول مفزوعاً ليرى أمه ممددة على الأرض لا تتحرك وترتدي رداءً أبيض، والنساء من حولها يبكين عليها، هرع إخوته نحوه فضمهما إليه ثم تقدم نحو جسد أمه وارتمى عليها باكياً وكان يصرخ : لقد نجحت يا أمي وجئت في المركز الأول مثلما وعدتك.. ألم أخبرك يا أمي بأنني سأفقدك؟!.
تحياتي للجميع