الماء و الاسماء Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

.
 
الرئيسيةس .و .جبحـثالأعضاءالتسجيلدخول

 

 الماء و الاسماء

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Beren saat
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
Beren saat


مسآهمـآتــيً $ : : 282
عُمّرـيً * : : 24
تقييمــيً % : : 45918
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 9
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 08/07/2012

الماء و الاسماء Empty
مُساهمةموضوع: الماء و الاسماء   الماء و الاسماء Empty17/7/2012, 9:53 pm


إني‏
إنني..‏
إنني أرغب في تعليق كل شيء، كل شيء، حتى ولو ترنحت الجدران من وطأة المسامير والثياب والذكريات المعلّقة. وعندما تمر العصافير.. أرغب أن أسير حافياً حتى نهاية الممر الطويل.. الممر الموصل بين غرفتي وغرفة العميد... فالسير حافياً يشعرني بالأرض وبأنها ما تزال موجودة.‏
أما السيكارة التي أسحبها بأصبعين مدربتين من جيب القميص لأشعلها، هذه السيكارة تشعرني بالأمن، وبأنني موجود قُرب صوت زوجتي الشقراء الأجنبية المتفرغة الآن وغداً وإلى أبد الآبدين، لتنظيم الحديقة، وتخريب عقلي.‏
لقد اضطررت مرات كثيرة لإحراق مراكبي وإعلان الحرب ضدها، بسبب استنكارها الشديد لتمسكي بعادة التدخين في غرفة الجلوس المغلقة، واستطعت أن أكسب الحرب، وأضمن لنفسي حرية مطلقة في التدخين في جميع الغرف بما فيها السقيفة. لقد كان انتصاري في هذه المواجهة كاسحاً، إلى درجة أن المسكينة اضطرت (من أجل أن تبتلع الإهانة إلى تتعلم التدخين وقد تقصدت ونكاية بي أن تختار دخانها من أشد الأنواع المحلية غلظة وكثافة، وأن تقعد قبالتي، قبالتي تماماً لتنفث دخانها في وجهي دون النظر إلى مكانتي العلمية، والدور الذي نذرت نفسي لألعبه في الحياة السياسية العامة. كثيرون انتبهوا إليّ وأنا أدخن، وصارحوني بحقيقة لم يلحظوها مع غيري، وهي أنني عندما أسحب من اللفافة نفساً، أخرج كميات من الدخان أكثر بكثير من التي سحبتها من السيكارة، وقد همس لي صديق متفقه في شؤون الدخان ومعتقداته بأن هذا دليل على وجود حريق، وأين تساءلت ضاحكاً؟ قال داخلك: عند ذلك بدأت أنتبه إلى الدخان، وأهز رأسي كما يفعل الفلاسفة، لأقول، إن أخطر الحرائق تلك التي لا نلمح دخانها، وقد أردت بذلك أن أقدم لنفسي العزاء رغم اعتقادي بأن حرائقي التي يظهر دخانها بكثافة عالية. حرائق رديئة. وتبعث على السعال والهذيان.‏
هذه الرغبات والأسئلة انتابتني جميعاً وأنا أقرأ الرسالة، لقد اضطرت زوجتي وبسبب من إصابتها ببوادر ذبحة صدرية إلى الذهاب إلى بلادها لتلقي العلاج. وبعد مدة من سفرها شعرتُ بضرورة أن تكون قرب واحد هشٍ مثلي امرأة صلبة مثلها، وها هي ترسل إليّ صرختها من وراء الثلوج، وقد كتبت صرختها بالعربية، رغم أن بقية الرسالة كانت بلغة زوجتي الأم.‏
كتبت بين قوسين:‏
يا عواد. يا زوجي، تعال إليّ.‏
وقد بررت صرختها تلك بلغتها فقالت في الرسالة: إنها تشعر بوحدة مميتة وأن وحدتها ستقتلها، ربما قبل أن تفعل الذبحة الصدرية، ثم تابعت، لقد اعتدت على الحياة الرديئة معك. لذلك تريدني أن أكون معها لنعود معاً في أقرب فرصة، وقد طلبت مني أن أصطحب معي ثلاثةٍ كروزات من الدخان الذي اعتادت عليه حتى تنفخها جميعاً في وجهي لأنها تشعر بحنين قوي إليّ.‏
ثم سألتني عن أخبار ابنتنا علياء، وهل أنجبت طفلها ولست أدري ما هي الدوافع التي شدت رأسي إلى النافذة لأمسح حديقة بيتنا بنظرات متفحصة لأتذكر حركة ثوبها وقدميها واستدارة مؤخرتها وهي تنحني على الأحواض لتقوم بأشياء لا أفهمها. ولكنها تملأ الحديقة بالخضرة والحياة.‏
-أنت في الخمسين يا شامل(1)‏
-وأنتِ في الخمسين يا كاتيا.‏
-هل يمكن أن تكون الحياة سخيفة وغالية.‏
-يمكن ما دامت أغلى المتعات أقصد القهوة والسجائر، غير مستحيلة. ثم ينفث كل واحد منا دخانه في وجه صاحبه بود، ونحن نشعر أن أحداً منا يكاد أن يحقق أهدافه في النيل من صاحبه.‏
-عندما ستموت يا شامل سأحزن عليك كثيراً، وعندما لا تموت، سأحزن أكثر، ثم ترفع طرف ثوبها لتريني تجاعيد ساقيها.‏
-منذ خمس سنوات لم تضع يدك علي.‏
كانت كاتيا تكره أصدقائي، نكاية بي، وكنت أدعوهم إلى بيتي نكاية بها. أول الأمر، تفتح الباب فأدخل ويدخل الأصدقاء، فتنظر إلى وجهي دون أن ترد على تحيتي، وتنظر في وجوه أصدقائي ولا ترد على تحياتهم، ثم تخبط الباب باهتمام زائد خلف آخرهم فترج البناية من شدة الحفاوة والترحيب، ثم تذهب إلى المطبخ لتحضّر القهوة، كانت امرأة منظمة بطريقة مدمرة.‏
تعد القهوة وتدخل حاملة الصينية ثم تنظر في وجوه الأصدقاء، وتضع الصينية على الطاولة وسط الغرفة وتعود، وكنت أتابع المهمة وأوزع الفناجين، بابتسامات مضاعفة لأعوّض على الأصدقاء النقص الفادح الذي يحسون به، بعد ذلك، تقوم زوجتي بتحضير الصحون، والكؤوس والمقبلات لتبدأ السهرة، وكان جيراننا في الطابق الأعلى يعرفون عدد الصحون التي تضعها زوجتي على الطاولة لأنها تحاول أن يصدر عن كل صحن خبطة كأنما على الطاولة راقص فلامنكو، لذلك يزداد انشراح أصدقائي بفضل آذانهم الموسيقية الحساسة ويحاولون مع الإبتسامات المرافقة أن لا يكون وقت السهرة طويلا، وأحاول أن يمتد ويطول حتى تنام زوجتي، خلال ذلك كانت كاتيا وخلال كل نصف ساعة تطل علينا لتسألنا بلهجة غاضبة هل تريدون شيئاً. وكنت أعرف قصدها، كانت تريد منا أن نطلب صحوناً إضافية لتخبطها على الطاولة غير أنني وبقية الأصدقاء لم نكن نمكنها من تحقيق هذه الرغبة.‏
وعندما يهرول الأصدقاء مودعين، كانت تقترب مني وتمسح بكفها على ذراعي وتقول في شبه اعتذار، المسلسلات المعروضة في التلفزيون غير جيدة ولا أحب أن أتفرج عليها وحدي، عندها تشعر زوجتي وأنا بأننا من ضحايا المسلسلات المحلية، لذلك يغمرنا شعور عميق بالتضامن فنجلس متقابلين ويخرج كل منا علبة سجائره ويبدأ بالتدخين، والنفخ كل في وجه صاحبه حتى تلفّنا غيمة من السعال ويتطاير الرذاذ الحنون من كلينا، فنبعد علب الدخان، ويحمل كل منا منفضته ويذهب إلى المطبخ ليفرغها ويعود بعد أن يحس بأنه أزاح عن قلبه هماً مقيماً.‏
شيء آخر يدفعنا للتوقف عن التدخين، أنه صوت سعال ابنتنا علياء، في الغرفة الشمالية المطلة على الحديقة، فرغم ذهاب كاتيا والتأكد من إغلاق الباب للبدء باحتفال التدخين الأولمبي المشترك، رغم ذلك، كان الدخان العنيد يتسرب من أضيق الفتحات ليصل إلى رئتيها فتسعل وهي نائمة، فيدفعنا سعالها للخروج إلى الحديقة ومتابعة التدخين بضمائر مرتاحة، هذا طبعاً في حال أننا لم نأخذ نصيباً وافياً من التدخين وظلت منافض السجائر مملوءة بالعقوب حتى وسطها، في كثير من المرات وفي ليالي الشتاء البارده كنا نسمع صوت سعال ابنتنا (علياء بالعربية، وفالنتينا بالروسية) فنخرج إلى الحديقة بعد أن نغطي رأسينا أنا وكاتيا ببطانية ونبدأ التدخين وجهاً لوجه، وكان الدخان المشترك هو الشيء الوحيد الذي يقرب بيننا، وكانت زوجتي تحاول أن تستنشق أقصى ما تستطيعه من الدخان الذي أنفثه في وجهها في حالة من الوجد والتلذذ كأنما تحاول أن تتصل بي عن طريق دخاني، وعندما كنت ألمح الرطوبة على أطراف عينيها، أتشاغل بالسعال، أو بإشعال لفافة جديدة ثم أهرس عقب السيكارة القديمة على الأرض، وأنحني لالتقط العقب من الأرض لأضعه في كفي حتى لا تنتبه الحديقة إليّ.‏
عندما كنت أنحني لأحمل عقب اللفافة كانت كاتيا تنحني لأن طرف البطانية الآخر يجرها معي إلى الأرض، فيقترب وجهها من وجهي فتبرق في رأسينا ذكريات الأيام القليلة التي حاولنا أن نتبادل فيها القبلات.‏
عشرون عاماً عمر ابنتنا (علياء بالعربية، وفالنتينا بالروسية). عندما ولدت ابنتنا علياء في موسكو، وكنت في سنوات الاختصاص الأخيرة، كانت رائدة الفضاء السوفيتية فالنتينا تيرشكوفا حديث الناس في العالم أجمع، ها هي امرأة تغزو الفضاء، وقد استطاع الغزو أن يمتد بآثاره إلى بيتنا، لذلك أحبت زوجتي أن تتم فرائض الغزو وتطلق على ابنتنا اسم (فالنتينا) وهو اسم لا أنكر جماله وجاذبيته.‏
المهم أن ابنتنا دخلت حياتنا فجأة كأنما هي كائن من الفضاء الخارجي، ولتعزيز هذه الحالة أسميناها فالنتينا، غير أن الاسم الذي سجل في سجلات السفارة السورية في موسكو غير ذلك، فعندما ذهبنا بالصغيرة إلى السفارة أنا وكاتيا زوجتي. إنفردت بموظف السفارة المسؤول وكان من معارفي وقلت له بالعربية عندما تسألني عن اسم المولودة سأقول لك أمام زوجتي (فالنتينا) وعليك أن تقوم بدورك الوطني اللازم وتسجلها (علياء).‏
وهكذا تم، وصار لابنتنا اسمان فالنتينا بالروسية. وعلياء بالعربية، وقد فعلت ذلك دون أن أحسب حساباً (لوطأة حرف العين وصعوبته، وعدم قدرة زوجتي ولا أية زوجة أجنبية أخرى على لفظه صحيحاً صريحاً كما نفعل في بلادنا وقد تقصدت أن أطلق على ابنتنا اسم علياء مخلصاً في ذلك لمعاني العلو والارتفاع القريبة كثيراً من غزو الفضاء الذي قامت به فالنتينا الأصل، وقد قلّص ذلك من إحساسي بالذنب تجاه زوجتي. لقد اعتبرت كاتيا وهذا من حقها، أن انجابها لابنتنا أكثر أهمية من الفضاء كله، ذلك الفضاء الذي قامت بلادها العزيزة بغزوه.‏
عندما تعلمت كاتيا الحروف العربية، وحاولت قراءة الوثائق، عرفت أنها كانت ضحية مؤامرة وأن ابنتها كائن لا علاقة له بالفضاء ولا الغزو، لذلك اعتكفت شهراً برمته في المنزل دامعة العين، تمارس تدريبات شاقة على ضرب رأسها بالجدار ومحاولة تعلّم لفظ حرف (العين) الذي تفتتح ابنتنا اسمها به.‏
وبعد شهر من التدريب والفشل المستمر اقتنعت كاتيا بالاسم بعد أن شرحت لها المعاني العظيمة التي ينطوي عليها. رغم مواظبتي على مناداة ابنتنا باسمها الفضائي الروسي تقديراً لمشاعر زوجتي التي باتت تشعر أن ما يربطها ببلادها الأم شيئان (اسمها واسم ابنتها) ضاربة عرض الحائط بالعلاقات الحميمة والاستراتيجية التي تربط بين حكومتينا وبضمانة زوج مثلي وابنة مثل ابنتنا.‏
-ماذا تنفعني العلاقات الحميمة والاستراتيجية بين حكومتينا إذا كانت العلاقة بيننا غير حميمة.‏
هكذا كانت زوجتي كاتيا ترد عليّ عندما أطالبها بضرورة أن تكون مخلصة لموقف حكومتها وساعية لتمتين علاقتها معي على أساس تقديم بعض التنازلات، كأن تسمح لي بالذهاب إلى المقهى مرتين أسبوعياً، وكان ردها دائماً هو الرفض وكانت لها وجهة نظر مثيرة للانتباه، تتلخص في التالي:‏
إذا وافقت أنا كاتيا على تقديم التنازلات من يضمن لي أن لا تصاب حكومتنا بعدوى التنازلات فتنظر إلى أعدائكم في الشرق والغرب نظرة رضا وتضطر ابنتي لتدفع الثمن في المستقبل من حياتها وحياة أولادها.‏
بهذه النظرة الشاملة كانت كاتيا تنظر إلى الأمور لتحول بيني وبين النزول إلى المقهى مرتين أسبوعياً.‏
ابنتنا الفضائية (علياء) ولدت بيضاء شقراء على لون وملامح أمها، غير أن تغيّراً مُلفِتَاً طرأ عليها بعد أن اجتازت سنواتها الأولى، وهو ظهور تباين في لون عينيها، إحدى العينين كانت زرقاء، والثانية بنية، في لون بشرتي أنا. وكان ذلك مدعاة للغرابة وللكثير من الكلام والانتباه.‏
أما أنا فقد نظرت للأمر نظرة أكثر عمقاً واعتبرت هذا التباين انتصاراً لطبيعتي وأفكاري، فأنا مثلاً كائن بني، لكنني أحمل أفكاراً شقراء تميل إلى الإحمرار وبخاصة في حالات الغضب وإلقاء المحاضرات والمداخلات في المقهى وعلى مدرجات الجامعة، وهذا الاختلاف بين لون البشرة والمعتقدات دليل غنى وتفتح، ودليل على وحدة المصير البشري رغم تباين الجغرافيا والألوان، والبشر.‏
وقد أرغمت نفسي على الاعتقاد بذلك، رغم التعارض الفاضح بين مزاج زوجتي ومزاجي، هذا التعارض الذي يخلخلني ويفكك معتقداتي. فأبذل الجهد والعَرَق لإعادة ترتيب الأمور.‏
بعد أن كبرت ابنتنا (فالنتينا) ودخلت المدرسة سرعان ما نَظَرتْ للأمور بعينها البنية، واستطاعت رغم طفولتها أن تحسم الأمر وتفرض علينا شروطها وقرّ قرارها على اعتماد اسم علياء اسماً وحيداً لها واستطاعت أن ترغمنا جميعاً على النزول عند رغبتها لأنها كانت لا تجيب على الاسم الآخر، حتى ولو صرخنا به بكامل قوتنا قربها.‏
-أنت تلاحظين، ابنتنا لا تحب غزو الفضاء، تريد أن تظل على الأرض لتتمسك بها، هكذا كنت أمازح زوجتي.‏
-الذين يفكرون بغزو الفضاء يعرفون جيداً كيف يتمسكون بالأرض ويعرفون أيضاً كيف يدافعون عنها.‏
هكذا ترد زوجتي كاتيا على سخرياتي، في محاولة مقصودة منها للنيل مني. وكنت أضطر للصمت بعد كل رد صمتاً لا تقدر عليه الكائنات الفضائية.‏
-بعد أن حسمت ابنتنا معركة الاسم لصالحها بدأت تزداد سمنة مؤكدة بذلك لأمها وبصورة غير مباشرة أنها غير جديرة بأن تكون رائدة لأي فضاء حتى ولو ولدت في محطة لاطلاق الصواريخ.‏
إنني رغم تباين لون عيني ابنتي وشراهة زوجتي للتدخين وابداء الملاحظات، أتمتع بسمعة أدبية وأكاديمية طيبة في الجامعة وفي قسم العلوم الإنسانية حيث أعمل وحولي مجموعة من الطلاب اللامعين يعتبرون أن الدنيا قد ضحكت لهم عندما واتاهم الحظ وأشرفت على تخصصاتهم العالية ورسائلهم لنيل شهادات الدكتوراه والماجستير، وهم مستعدون لقلب المدينة رأساً على عقب من أجل البحث عن الأدوية المفقودة التي تحتاجها زوجتي من أجل الضغط والتجلط والتمييع والكولسترول وأشياء كثيرة أخرى. وقد بدأت زوجتي ورغم مرضها تشعر بالاعتزاز بعد أن صارت تحس أن زوجاً يستطيع أن يؤمن لها مثل هذه الأدوية لا بد وأن يكون رجلاً مهمّا وعلى درجة عالية من الكفاءة العلمية والمعرفية، وقد أغبطني إحساسها الذي لم تكن لتصرّح به أبداً، أغبطني لأنه يساعدها على الموت بروح مطمئنة.‏
فاتني أن أقول أننا أنا وزوجتي وبعد أن دخّن الواحد منا سجائر تستطيع أن تغطي خطوط العرض والطول، حول الكرة الأرضية وبعد أن شرب الواحد منا خلال حياته صهريجاً من القهوة السوداء عالية التركيز، بعد أن فعلنا ذلك ونحن نراقب الأحداث السياسية والاجتماعية التي تعصف ببلادنا والعالم، ونمتعض ونتهم الآخرين بالتقصير واللاوطنية، بعد أن فعلنا ذلك أحسسنا بحسن نية أن حياتنا قد حققت أهدافها، لذلك اتفقنا وقد رافق ذلك ظهور البيروسترويكا في بلاد زوجتي، على أن يحاول كل منا أن يقتل صاحبه بالطرق السلمية. وقد عقدنا هذا الاتفاق البريء بعد أن نظر كل منا في وجه صاحبه، ثم اغرورقت أعيننا بالدموع فحالت مشاعر الكرامة لدينا أن نتركها تسيل إلى الأسفل لذلك ذهبنا إلى المياه لنغتسل ونشعر بالتجديد الغريب الذي أدخلناه على حياتنا.‏
أن يقتل إنسان إنساناً آخر يكاد يحبه. تلك مسألة فيها الكثير من الهجاء للسياسة، والزمان، وقد أردت أن أوضح الأمر لزوجتي بالطرق السلمية ذاتها:‏
-إننا عندما نقتل بعضنا بعضاً، بدون دماء وطعنات، ثم نموت ونتفسخ فإننا نحقق انتصارين في آن واحد، انتصاراً على الحكومة بمعنى أنها لم تعد قادرة على الزامنا بأية برامج وسياسات وممنوعات وضرائب ومدائح وإصغاءات للمناسبات والخطابات والأجهزة. إنها بكل صراحة أعني الحكومة ستكون بالنسبة لنا غير موجودة، وهذا الأمر كاف ليجعلها تحس بالندم على فقدان آذاننا.‏
التحدي الثاني نوجهه للزمن، فهو بدوره لن يكون موجوداً بما فيه الكفاية ليؤثر علينا.‏
إنّ الديدان عندما تقوم بنحت هياكلنا العظمية بطريقة ماهرة يَعْجَزُ أَمهرُ القصابين عن انجازها، إن هذه الديدان، تعمل لصالحنا، فبعد أن تلتهم كل دودة ما تلتهم، وترفع رأسها الشره لتنظر إلى الأعلى إنما تحاول ذلك لتغيظ الزمان الذي لم تعد له أية سلطة علينا.‏
بهذه الحفاوة، والمشاعر الطيبة بدأت حربي ضد زوجتي لأزين لها فضائل الموت وأهميته وجماله من الناحيتين السياسية والفلسفية.‏
-انظري إلى التجاعيد وكيف تنام على بعضها بحنان كأنما تمسك كل واحدة عكاز لتستند به على أختها.‏
-إذا تابعت حديثك بهذا العمق وهذا الشمول فإنني سألقي بنفسي من النافذة لأموت. هكذا ردت زوجتي على كلامي العميق.‏
-ولكن أنت تعرفين أن بيتنا في الطابق الأرضي والمسافة التي تفصل بين حافة النافذة والأرض ليست كافية.‏
أجابت كاتية بمزاج حاد.‏
-عندي من الغيظ ما يكفي لأموت حتى لو قفزت من فوق علبة كبريت.‏
-هذه الطريقة أسميها انتحاراً، وهي عمل غير شجاع وفيها خروج على الاتفاق.‏
إن المزاج الحاد، يعتبر من فصيلة الأدوات الحادة. واستعماله غير مشروع في اتفاقيتنا، يمكنك الصعود إلى بيت أحد الجيران في الطابق الثالث وشرب فنجان من القهوة على شرفتهم، والنظر إلى الحديقة من أعلى...‏
ثم عندما استمعت ابنتنا الفضائية علياء لبعض من حواراتنا وكانت تعيش مشكلة عاطفية لم ترد أن تصرّح بها، تبرعت من أجل فض الاشتباك وإنهاء المعركة، أن تنتحر نيابة عنا لتتخلص منا ومن مشكلتها، ثم انخرطت بالبكاء العميق حتى جرّحت الشهقات قلبينا.‏
لذلك انصرفنا عن تطبيق معاهدتنا، واتجهنا إلى ابنتنا التي كبرت بمفردها دون أن يتيح لنا انصرافنا الأكاديمي للتحديات والصراخ. أن ننتبه إليها وإلى طفولتها ويفاعتها. ودرجة الاختلاف بين لوني عينيها. وفي محاولة منا للتعويض قررنا أن نتقرب من ابنتنا ونلاطفها. لتقص علينا ما ينغص عينيها ويدفعهما معاً، الزرقاء والعسلية للبكاء بدمع من لون واحد. وكنت أعرف القاعدة التي تدفع الأشياء المتباينة في اللون والمزاج والمعتقد للتوحّد والتضامن في الأزمات.‏
غير أن ابنتنا الفضائية أنكرت علينا الحق بسؤالها واعتبرته انتقاصاً من حريتها، وقد دفعني ذلك لأوضح لها بأننا لا ننوي مصادرة حريتها ولكننا نرغب في مشاركتها، والمشاركة تخفف من ضغط الأزمة وتشعر الطرف المأزوم بأنه يحظى بالحب والتضامن. وكان من نتيجة ذلك أن نظرت ابنتنا إلينا ومسحت دموعها بظاهر كفها، ونهضت ودخلت غرفتها بعد أن خبطت الباب في وجهينا.. فاعتبرنا هذا التصرف من ابنتنا بمثابة إعلان للحرب. وباعتبارنا الطرف الأضعف في هذه المواجهة فقد قررنا اللجوء للمفاوضات، هذا الأمر قدرته كثيرا في زوجتي لسبب هام هو أنها مواطنة لدولة عظمى، وتستطيع أن تستخدم الأسلحة الثقيلة التي تستخدمها ضدي، وتربح المعركة غير أنها أدركت أن ذلك لن يفيد، لذلك نهضت وضربت الباب على ابنتها وصاحت: فالنتينا، فاليا، فاليتا، لتترك استجابات طيبة في وجدان ابنتنا من خلال استخدام اشتقاقات محببة من اسم فالنتينا، وقد لعبت النداءات دوراً طيباً في تحريك مفاصل الباب وقبضته فانفتح ودلفت الأم إلى الداخل.‏
خلال ساعة من الانتظار بينما كانت زوجتي كاتيا في حالة اجتماع مع ابنتنا علياء، راودتني أفكار كثيرة عن أسباب الأزمة، لكنني وبسبب من الشك الأكاديمي المزمن، قررت أن أنتظر النتائج التي ستصدر عنها المباحثات.‏
بعد قليل، وبما أن الأم مستودع أسرار ابنتها فلا بد وأن تخرج كاتيا بالحقيقة كاملة لتخبرني بها فنضطر لتأجيل اتفاقنا والانصراف معاً لحل معضلة ابنتنا. الشابة التي بلغت منذ شهور الواحد والعشرين عاما، بالإضافة إلى الطول الفارع والشقرة الحادة التي تدير الرؤوس، وربما كان لهذا العمر وهذه المواصفات دور في الذي يحصل معها. ربما تعيش حباً، من طرف واحد، وهذا ما يعذبها، وربما لم تكن تحب، وتعيش انتظاراً مرّاً، وهذا يعذبها أكثر ويعذب فتوتها ويفاعتها الصارخة.‏
بعد أن حصلت ابنتي علياء على الثانوية العامة بمجموع متوسط قررت الذهاب إلى الاتحاد السوفييتي لمتابعة الدراسة، لدراسة المسرح، وقد رغبت ذلك بعد أن شاركت بدور صغير في مسرحية قدمتها المدرسة. ودخل في روعها أنها ستكون ذات شأن إذا تابعت الدراسة في هذا المضمار. والذي عزز إرادتها على متابعة ذلك اتقانها اللغة الروسية بسبب أمها. والذي يتقن اللغة الروسية ليس ضرورياً أن يتقن الحياة الروسية، حتى ولو كانت أمه كاتيا، لذلك عارضت السفر وطلبت من علياء أن تبقى لتتابع دراستها في بلدها. فلا بد قلت في نفسي إذا ذهبت وهي فتاة وحيدة وطويلة، من أن تعود إلينا بعد سنوات تحمل بالإضافة إلى الشهادة عدداً من الأولاد من قوميات مختلفة شقرا وزرقا ورماديين، وهذا الأمر يتعارض مع الدوافع السلوكية والاجتماعية في بلدنا.‏
لقد وجدت نفسي أميل لأن أعارض بشدة سفر ابنتي للدراسة، غير أن تحالف الأم والابنة طوّح بمقاوماتي ورفضي، فاندفعت زوجتي لترتيب السفر والاتصال بالسفارة السوفيتية في دمشق، وقد أقنعتني زوجتي كاتيا بأنها ستسافر مع علياء لتحرسها، غير أن ردة فعل علياء كانت شديدة فقالت لأمها موضحة: إن سبب سفرها هو رغبتها في الهرب من البيت ومنا. يعني من أمها ومني، فأكبرت في ابنتي موقفها واعتقدت أن فتاة مثلها قادرة على صناعة مستقبلها دون وصاية من أحد، وبذلك بدأت أميل للاعتدال، وانصرفت لترتيب أغراض السفر لابنتي بعد أن رفضت زوجتي متابعة ذلك.‏
خلال مضي ثلاثة أشهر على سفر علياء لمتابعة دراسة المسرح، وصلتنا منها رسالة تخبرنا فيها أنها ستعود، بعد أن أقلعت عن التفكير بمتابعة الدراسة هناك. وقد سررنا أنا وأمها لهذا القرار.‏
صحيح أننا في حضورها لم نكن نحس بها كثيراً، غير أن غيابها ترك فراغاً كبيراً لم يكن ممكناً أن نملأه سوى بالتدخين وضرب الرأس على الجدار.‏
والحديث عن الحتمية التاريخية والتفاؤل الثوري، وكنت من طرفي في حالة انتظار وترقب لعودة ابنتي من الاتحاد السوفييتي لأختبر من خلالها أسلوب الحياة الجديدة حتى أتمكن من فهم الأمور على حقيقتها وقد جاءت ابنتي بأخبار غريبة انعكست على حلمها ودهشتها، فلقد ذهبت ولديها تصوّرات كبرى عن الحب والمشاعر، والعلاقات الدافئة والمقدمات الطقسية التي لا يتقنها الأولاد في بلادنا غير أنها وجدت عكس ذلك. كان الشبان هناك مُباشرين في التعبير عن رغباتهم وليس لديهم الوقت ولا الرغبة لإظهار الحفاوة وتقديم المقدمات وإظهار الحماسات أو الانتباه إلى الاختلاف بين لون عيني ابنتنا هذا الاختلاف الذي قررتْ أن تستثمره. وتضعه كشرط ضروري ووحيد للبدء بالتعارف مع أي شاب. وكان الشبان هناك لا يحفلون بالعيون واللغة الحارة التي تصدر عنها، فقط كانوا منشغلين بما دون ذلك، مستعجلين أكثر من اللازم كأنما تطاردهم فصيلة من الذئاب، وابنتنا في بلادنا ملكة متوّجة، وهي قبلة أنظارالقاصي والداني من شبان الحي، وكانت تتعالى عليهم جميعاً وتضطهدهم وتسخر منهم، وبخاصة أولاد الأسر الموسرة في حي المحافظة حيث نسكن.‏
عندما عادت إلينا كانت فتاة أخرى، صارت أكثر حفاوة بالحياة والدراسة بعد أن قررت إعادة تقديم البكالوريا للانتساب للجامعة. والاختصاص بالحقوق. أما أولاد الحارة ومن هم في سنها فقد صارت أكثر انتباهاً إليهم وأكثر استعداداً لمطارحتهم الكلام.‏
وقد تقدمت إلى الامتحان، وحصلت على البكالوريا. ثم انتسبت إلى الجامعة وها هي في الغرفة مع أمها تبكي وتتعالى شهقات أحداهما، وأضطر للتوقف عن الاسترسال في التذكر، واضطر للانتباه إلى عقب السيكارة الذي يلسع اصبعي فإزداد صفرة واندهاشاً.‏
فأنا عندما أسمع صوت البكاء دون أن أتمكن من تمييز مصادره أصاب بالحكة وأميل بأصبعي لسحب لفافة أخرى والبدء بالتدخين والسعال من جديد.‏
بعد عدّة لفافات انفتح الباب وخرجت زوجتي غاضبة.‏
-لم تصارحني بشيء قالت زوجتي: ثم مسحت دموعها بظاهر كفها، تريد أن تخبرك أنت أولاً، كأنها ليست ابنتي، كأنما الدم الروسي لا يجري في عروقها وبين فخذيها، كانما هي ليست في يوم من الأيام ابنة شقراء، وعينيها من جهة اليسار زرقاء مثل عيني والدي الكسي تريد أن تراك أنت لتصارحك بالحقيقة، إنني لم أعد أفهم طبيعتكم ودماءكم حتى وهي تجري في شرايين ابنتي. ابنتي أنا يا تشيخوف العظيم... فادخل وافهم منها ما هي علتها. ثم قعدت.. وقد غلبتها التنهدات. وكان الأمر محيراً لي فأنا أعرف أن الأم مستودع أسرار ابنتها، والمثل عندما يقول.. (إقلب الطنجرة على تمها بتطلع البنت لأمها..) ولكن هل يعقل أن تنعكس الأمور.. يبدو أن الطنجرة انقلبت على قفاها فصارت البنت تشبه أباها.. قفاها.. يا للعار. ثم بدأت بإعداد العدّة للدخول ومحاولة الفهم. بعد أن اختارتني (علياء) ابنتي لأكون أنا شخصياً مستودع أسرارها وليس أمها، وقد انتبابتني بعض المخاوف، هل يمكن أن تكون قضيتها أعني مشكلتها وثيقة الاتصال بالمسألة الوطنية والقومية، وأن إفشاء سرها لأمها من شأنه أن يدفع حلف وارسو للاطلاع على أشياء تخصها وتخص بلادها وليس من حق أحد أن يشاركها ذلك غير رجل صلب الملامح والعقائد مثلي ينتمي إلى هذه البلاد، ويستطيع أن يفهم ويرى، يا أبا العلاء المعري العظيم.‏
إنني بصراحة ورغم ما أتمتع به من سمعة أكاديمية عالية كنت في حالة استغراب شديد، عندما دخلت إلى الغرفة مبللاً بدموع زوجتي وشهقاتها، فالدموع لا تضعف صاحبها وإنما تضعف الكائن الذي يجاور صاحبها ويلمح بريقها وهي تنساب على ظاهر الوجه، وبخاصة إذا كان الوجه.. وجه زوجة وحيدة تَعْتَبِرُ البكاء عاطفة تخص دول العالم الثالث.‏
لذلك اقتلعت نفسي من ذكرياتي التي لم يعد يحتملها المقعد القماشي الوثير. ودخلت إلى الغرفة التي جلست ابنتي في صدرها مثل ملكة، وقعدت قبالتها وبدأت النظر إليها.‏
على وجه ابنتي كانت الصلابة وليس الدموع، الدموع كانت من نصيب زوجتي التي لم أكن أشاهدها تبكي حتى بمناسبة مرور الذكرى الخمسين لإلقاء القنبلة الذرية.‏
(1) -شامل وعواد: اسمان لشخص واحد.‏






منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
SЩéěт гÕŘΘ
كبار الشخصيات VIP
كبار الشخصيات VIP
SЩéěт гÕŘΘ


مسآهمـآتــيً $ : : 2228
عُمّرـيً * : : 34
تقييمــيً % : : 55316
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 18
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 24/04/2011

الماء و الاسماء Empty
مُساهمةموضوع: رد: الماء و الاسماء   الماء و الاسماء Empty17/7/2012, 10:08 pm

روووووووووووعة وحلوة ياقمرة

مشكورة ياقمر

لاتحرمينا منك

ولامن ابداعك

تشااو

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الماء و الاسماء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معاني الاسماء
» طلبأأأأـــت الاسماأااء الامعهــ والمتحركهــ والي تطلــب لهاأأ هديـــهــ مني ..~
» طلبات الاسماء
» زخارف الاسماء
» ممكن الاسماء

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*  :: ~►♥ اقـسـام الـعـبـر ♥◄~ :: أقلام أحلـى بنات ☁. :: أجمل القصص & الروايات ☕ !.-
انتقل الى: