شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*

.
 
الرئيسيةس .و .جبحـثالأعضاءالتسجيلدخول

 

 شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Beren saat
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
Beren saat


مسآهمـآتــيً $ : : 282
عُمّرـيً * : : 24
تقييمــيً % : : 45748
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 9
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 08/07/2012

شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty
مُساهمةموضوع: شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير   شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty17/7/2012, 10:15 pm


نظرت زوجة ابن الحمودة بأسف ومرارة إلى ما بقي من بيت أبي يوسف وقالت لزوجة كريم:‏
ـ ما الذي فعلته الدنيا بأبي يوسف: أولاده أجبروه على هجران بيته وقريته وشجرته، وليتهم اكتفوا بذلك.‏
قالت زوجة كريم:‏
[size=12]ـ ليته لم يوافقهم رأيهم، ويهجر القرية.‏
[size=12]ـ لم يستطع.‏
[size=12]لم تتابعا الحديث لأن صوت ابن الأحمد جاء صاخباً، وهو ينادي ابنه:‏
[size=12]ـ يا قرميد... أسرع إليّ بالشاي والطعام.‏
[size=12]عادت زوجة كريم إلى الكلام:‏
[size=12]ـ ابن الأحمد أموره غريبة، ينادي بصوت عالٍ مسموع للغادي والرائح، ويشرح ويفصل، وكأنه جالس في البيت، يتكلم مع زوجته.‏
[size=12]ـ هذا طبع ابن الأحمد، ولا يعرف أن يغيره.‏
[size=12]- أذكر والده، كان مختلفاً عنه... هل تذكرينه أنتِ؟‏
[size=12]ـ كيف لا أذكر أحمد السعيد، الأرض التي كان يزرعها أبي، كانت إلى جوار أرضه؟!.‏
[size=12]ـ أنا أذكره، كان يزور أبي... وكانت كل ضيعتنا تحتفل بمجيئه وكنّا نحن الأولاد نجلس قريبين منه لنستمع إلى حكاياته وأحاديثه.‏
[size=12]ـ هو يشبه أبا يوسف.‏
[size=12]ـ أنت على حق، إنه يشبه أبا يوسف، ولم يوفق بأولاده مثله مثل أبي يوسف.‏
[size=12]ـ أخطأ أولاد أبي يوسف بهجرهم القرية.‏
[size=12]ـ ولم يكتفوا بذلك، فقطعوا جذع الشجرة التي كانت أقدم أشجارنا وأكبرها.‏
[size=12]ـ واختصموا مع بعضهم بِشأن الأرض التي أمام البيت... من جهة الغرب بانت زوجة يوسف بو حمود، تمشي وئيدة الخطوات، فانصرف الحديث إليها:‏
[size=12]قالت زوجة ابن الحمودة:‏
[size=12]ـ هل سمعت أن يوسف بو حمود يحب (شياله) قريبة الجبيلي؟‏
[size=12]ـ سمعت من كريم.. هو لم يخبرني، لكنني سمعته يقول ليوسف:‏
[size=12]ـ عار عليك أن تتزوج غير زوجتك وتهمل أولادك.‏
[size=12]لكنني لم أكن أعرف أن المقصود بذلك هو (شياله).‏
[size=12]ـ منذ وقت بعيد لم يزرك أخوك (عبدو الشاعر) لقد اشتقنا لغنائه وحكاياته.‏
[size=12]ـ سافر... لكن أسعد أخبرني أنه عاد من السفر.‏
[size=12]تترامى الكروم والغابات والتلال، بين ضيعة النبع وقرية شجرة التوت، والدرب الترابي الواصل بينهما طويل ومتعرج وغير مأهول، لكن أحمد السعيد كان يقطعه ماشياً أو راكباً الحمار الأسود، دون أن يحسب للمسافات حساباً، وقد سمي الدرب فيما بعد باسمه، لكثرة ذهابه وإيابه... هذا ما يعرفه معرفة أكيدة الجبيلي، وابن الأحمد وأبو يوسف وغيرهم، لكن زوجة ابن الحمودة وزوجة يوسف بو حمود لم تعرفا أية تفاصيل عن علاقة أحمد السعيد وأبي يوسف بضيعة النبع...‏
[size=12]إلا أن زوجة يوسف صارت تكره ضيعة النبع وتكره اسمها جراء حب زوجها (شياله)، وصارت من حيث لا تدري ولا تريد، تصغي لكل حكاية تتعلق بالجبيلي وسبهه وشياله، وبضيعتهم التي تركوها منذ وقت غير قريب، وقد فكرت يوماً بأن تذهب إلى (سبهه) وتحدثها بحديث حب يوسف لقريبتها، لكنها خافت من غضب زوجها وعقوبته لها بما لا يرضيها... وبما يجعلها تسقط في وحل الندم ولا تنهض منه.‏
[size=12]بقيت زوجة ابن الحمودة وزوجة كريم تتناوبان على العمل في الأرض وعلى متابعة الكلام عن حياة وأيام القرية والجيران...‏
[size=12]أرض كريم وأرض ابن الحمودة متجاورتان، لا يفصلهما إلا الدرب الذي يصل بين البيوت. أما أرض يوسف بو حمود فهي تجاور الساقية من الجهة الشمالية...‏
[size=12]انحدرت زوجة يوسف عبر الأرض المجاورة، لأرض شجرة التوت، ولم تنتبه إلى حيث وقفت جارتاها تتحدثان، ولو أنها انتبهت، لتمهلت عندهما، وحدثتهما حديث حب زوجها وعذابها أو حديث شجرة التوت وصاحبها.‏
[size=12]هاجس صعب، ظل يقلقها ويفزع طمأنينتها، هو حب زوجها لسواها: تحاول أن تبتعد بتفكيرها عن هذه الحكاية، التي خربت عليها هناءتها المحدودة، لكن محاولتها تبوء بالفشل، ويعود إلى رأسها هاجس مفزع، يحاصر أي أمل، أو حلم أو بارق سعادة يشرق في نفسها وحياتها: تكلم وهمها، وهي تمشي أو تجلس أو تعمل: "ما هذه القصة التي ابتليت بها مع زوجي؟ كأن ضياع شجرة التوت، ارتد عليّ بالأذى والتعاسة".‏
[size=12]***‏
[size=12]بقي جذع شجرة التوت يفرع كل عام، وبقي الطائر الكبير، يقبل على الجذع الفارع، وأبو يوسف، بقي يزور لهوفاً إلى أيامه وحياته، التي عاشها في بيته، قريباً من الشجرة العتيقة، والجيران العتيقين...‏
[size=12]بيت ولده في طرف من أطراف المدينة... في قرية ليست كقرية شجرة التوت، وحياتها ليست كحياتها، جفلت روح أبي يوسف أول أمره، وأحس بضيق في أنفاسه: بيت ولده غرفة ونصف غرفة وسرير حديدي، قوائمه تعيسة... صدئه... كعمره... تفصل الغرفة المسمّاة بيتاً... تفصلها عن البيوت الأخرى أرض غير مزروعة، وعن المدينة مسافة مأهولة بالقمامة وأحياناً بصوت الحيوانات وأصحابها المقبلين على (البازار) لبيعها أو لإبدالها.‏
[size=12]ولد أبي يوسف لا يهدأ في الغرفة المسمّاة بيتاً، وإن هدأ فهو ينام، لأن عوزه للنوم والعيش الكريم أكثر من عوز ابن الأحمد للظرافة والروح الرياضية.‏
[size=12]عمله يتبدل مع تبدل الفصول واختلاف المواسم... في الصيف يعمل في الأرض... يشترك مع أقرباء أبيه، الذين يعيشون في قرية النبع كل الفصول، إلا في فصل الصيف... فهم ينزلون إلى أرضهم القريبة من أرض ولد أبي يوسف...‏
[size=12]وقد اقترب الولد من أقرباء أبيه، واشتغل معهم بلهفة، لأن ابنتهم الكبيرة والوحيدة، بادلته القليل من الهمس واللمس، والوقوف تحت الشمس... ومرة أو مرتين أو أكثر، حاولت أن تغمز لـه إشارة منها إلى حبها له... ففوجئت بأنه لا يعرف أن يغمز... بل يغمض عينيه إغماضاً تاماً، حتى يظن أنه مصاب بالرمد، أو أن عينيه تعشيان، وعنياه في جميع الحالات ليستا مدعاة للسرور والبهجة، وملامح وجهه كعينيه، تخبئ رصيداً زائداً عن الحاجة، من التعاسة... ملامحه تشعر الناظر إليه، أنه خارج من موسم بكاء ضخم، أو أنه على موعد مع البكاء المرير... عبوسه كحالة السرور... العبوس والسرور لا يختلفان في أمر. حتى إذا ضحك، فتظنه مصاباً بالزكام ويريد أن يعطس عطساً عنيفاً...‏
[size=12]ملامحه ماركة غير مسجلة في سجلات الملامح... لأن التعب لا يظهر عليها، وكذلك الانشراح... وكيف يتم ذلك، وملامحه شبيهة بأرض مغطاة بالحجارة الصغيرة السوداء؟‏
[size=12]وقريبته ليست خيراً منه، إلا حين تغمز بعينيها، فعين من عينيها أتاها الغمز، منذ ولادتها الميمونة، في دارة أهلها الموقرين، في قرية النبع، وقد وصفها (عبدو الشاعر) جار أهلها وقريبهم:‏
[size=12]"إنها حين تنظر إليّ أحس أنها تريد أن تبصق في وجهي وفي وجوه جميع المواطنين، المقبلين على الحياة... فتجعلهم، متى رآوها، يحسون أن وقت إقبالهم على الحياة انتهى، وحان وقت إدبارهم، وعينها اليمنى عوراء أو شبيهة بالعوراء، فهي في حال من الغمز الدائم".‏
[size=12]ولد أبي يوسف انشدّ إليها أول أمره مع أهلها، وواظب على العمل معهم في أرضهم، حتى إنّه أقنعهم ببناء غرفة كغرفته، يسمونها بيتاً...‏
[size=12]أبو يوسف التقى بأقربائه البعيدين، الذين تربطه بهم آصرة قربى غير متينة، بسبب تعرج الدرب ووحشته، وبسبب الفقر المتكدس في كل منحنى من منحنيات حياتهم، الفاخرة كعطر (أسعد الشحاذ).. عرفهم جيداً وعرف الآباء الذين رحلوا عن هذه الدنيا تاركين إرثاً عجيباً من التعاسات المتنوعة، كتنوع الأوساخ المتراكمة على جلد وثياب أسعد.‏
[size=12]وقد انتبه إلى إقبال ولده على بنتهم المزدهرة كفصاحة وحياة صالح الجبيلي. بررّ أبو يوسف لولده المجتهد في مجالات الحياة، أن يقع في هواها، لأنه، كوالده لم يجد من يقع في هواها، إلا ها أو من هي؟ أتعس منها.‏
[size=12]تذكر أبو يوسف، وهو يعاين قريبته العوراء، التي هيئ لولده أن يقع في هواها.. تذكر كيف وقع في هوى السيدة الشفافة... أم يوسف، وعادت به الذاكرة إلى الأيام البعيدة، فلعن حياته غير السعيدة، لأن دروبه صارت عن شجرته بعيدة، وقال في نفسه:‏
[size=12]"أم يوسف يوم طلبتها من أهلها، قبل والدها طلبي على الفور... وأهداها بضع دجاجات، وحدوة جديدة أحضرها لها من المدينة. واحتفلت أم يوسف بالحدوة الجديدة، أكثر من احتفالها بحبي لها... حدوة محترمة ـ بنظر أم يوسف ـ أكثر من أي شيء آخر... قد يكون والدها وفق إلى اختيارها مصادفة، أو أن صانع الأحذية، لم يصنع إلا هذا النوع... وقد أمعنت أم يوسف بوصف حدوتها وبتعديد مزاياها النادرة:‏
[size=12]"حدوة مصنوعة من جلد متين، وشكلها غير شكل، وتريح القدم إراحة تامة، وهي لا تصدر أية رائحة مهما لبسها الإنسان".‏
[size=12]هذا ما ظلت تقوله أم يوسف عن حدوتها، في كل مرة تلتقي بها أبا يوسف، وقد قلت ملاقاتها بأبي يوسف بعد أن تمت الموافقة عليه زوجاً.‏
[size=12]ظلت تحكي عن مزايا الحدوة، رغم أنها لم تلبسها إلا وقت جربتها ثم خبأتها في الصندوق الذي قدم لها من أحد أقربائها أو من أبيها...‏
[size=12]أبو يوسف وأم يوسف اجتمعا بأقربائهما، في بيت ولدهما المصان صيانة كاملة من قبل الشقاء لا أكثر ولا أقل...‏
[size=12]اجتمعت العائلتان، في بيت ولد أبي يوسف، الذي دعا أهل حبيبته، المكتشفة حديثاً وأقام على شرف قدومهم المبارك إلى بيته، لأول مرة، تصحبهم بنتهم الدلوعة، المحبوبة... الغالية على قلبه... واحر قلبه وكل قلب يصار به إليها أو إلى حبها... أقام على شرف قدومهم غداء فريداً من نوعه بنظر أم يوسف:‏
[size=12]ذبح لهم دجاجة كبيرة، وطبخ لهم البطاطا، والقمحية، وأحضر اللبن.. وشرحت أم يوسف بإسهاب وإفاضة واقع حال الغداء: "ابننا (خبصها) اليوم يا أبا يوسف، شوى الدجاجة وطبخ البطاطا والقمحية وأحضر اللبن. واشترى لنفسه حذاء وثياباً جديدة... وصرف كل ما لديه من أجل هذه الحبيبة العجيبة.‏
[size=12]سأل أبو يوسف:‏
[size=12]ـ لماذا عجيبة؟‏
[size=12]ـ لأن عينها تنظر نظرات غير صحيحة...‏
[size=12]عرف أبو يوسف أن زوجته من الجهل وقلة الفراسة بمكان، جعلها، كولدها، لا تعرف أن عين البنت مصابة بالحول الفائض عن الحاجة، أي أن حولها ليس حول الحسن. أو أنها عوراء بشكل من الأشكال. عاد أبو يوسف ووضح لزوجته:‏
[size=12]ـ البنت عينها بها حول يا أم يوسف، أو أنها عوراء.‏
[size=12]نادت أم يوسف بصوتها الرعاد، وشدت على ملامحها الشبيهة بالغضب المكوم في حلق قرية عطشى ومعذبة بالبؤس... نادت:‏
[size=12]ـ بها حول أو عوراء؟ ألا يكفينا ما عندنا من هم وفقر، حتى نزوج ابننا واحدة بها حول أو عوراء. ؟؟!!‏
[size=12]أتمَّ أبو يوسف الشرح:‏
[size=12]ـ وقد يكون صوتها مثل عينها يا أم يوسف...‏
[size=12]أم يوسف جلست محزونة... وقد استبد بها النعاس، فسرقها الغفو، فنامت على الكرسي، وأطلقت العنان لصوت أنفاسها، غير المؤنس، وازداد صوت أنفاسها علواً واضطراباً، وصارت تتكلم وهي نائمة، كلمات غاضبة، فهم منها أبو يوسف، أن الدجاجات التي تركتها برعاية زوجة كريم، أصابها الأذى، من (ابن آوى).‏
[size=12]ضحك أبو يوسف ضحكته الهانئة الودودة، التي لا تبين كثيراً، لكنها تبوح بعذوبة خاصة في نفسه، على عكس زوجته، التي لا تبتسم إلا نادراً، وإن ابتسمت فابتسامتها شر من عبوسها...‏
[size=12]لعلها لم تتعلم من الدنيا الابتسام، وفي ظنها أن الابتسام أو السعادة الملحوظة عار على الإنسان...‏
[size=12]كابوسها استمر، وصوتها صار أبشع وأكثر غضباً، فلم يرد أبو يوسف أن تستمر في عذابها وقلقها... فأهاب بها أن تستيقظ... جفلت والخوف على كل ملمح من ملامحها: على جبينها العريض غير الوضاء بتاتاً، وعلى وجنتيها، اللتين ضاعتا بالتجاعيد القديم منها والحديث، لأنها ورثت، عن أهلها التجاعيد في الوجنتين، وعبوساً وتقطيباً في الجبين.. وهذا الميراث عرفت به عائلة أهل أم يوسف. وولدها استفاد من ميراثها هذا الكثير، فوجهه شبيه وجه أمه، وحاجباه، يا ويح قلب العاشق الصب، كحاجبيها.‏
[size=12]عاين أبو يوسف زوجته وهي تصحو من كابوسها، وقد مدت يديها كمن يريد أن يتكئ على جدار الظلام، فأمسك بها من كتفها، خشية أن تمشي، وهي نائمة، وتسقط أو تصطدم بالحائط أو المنضدة العجيبة، التي استضاف عليها ولدها عائلة حبيبته.‏
[size=12]عادة المشي، وهي نائمة، عادة معروفة، ولعلها من العادات التي ورثتها أم يوسف عن أهليها... خاصة إذا كان الكابوس، يتعلق بالدجاجات أو بالحدوة، فإنها تحاول أن تركض، وتمسك بابن آوى أو بالهرّة اللئيمة، التي تأكل البيضات، أو بأسعد الذي، رأته مرة في نومها، يريد سرقة حدوتها، فصرخت به صرختها (الارتوازية) المعهودة، وهمت تمشي وراءه، فسقطت من على العرزال، وتكسرت بعض عظامها، وجبرها يومها (صالح الجبيلي) وأعانه على ذلك أبو يوسف.‏
[size=12]صحت أم يوسف أخيراً، وظنت أول صحوها، أنها أمسكت بابن آوى أو بأسعد، فوجدت نفسها أنها ما زالت على الكرسي العالي، وإلى جوارها زوجها، يعب من لفافته العريضة، ويرتشف من فنجانه الشاي...‏
[size=12]زمت شفتيها كعادتها، حين تريد الكلام:‏
[size=12]ـ كيف تتركني أتعذب، وأنا نائمة، ولا توقظني؟‏
[size=12]ـ لم أنتبه إلى أنك معذبة بالكابوس، إلى حين جاءني صوتك كرسول العذاب، يخبرني عن أمر فاجع.‏
[size=12]ـ صرت تتفلسف آخر العمر يا أبا يوسف؟‏
[size=12]وصرت تأتيك الرسل ويخبرونك بالأمر؟‏
[size=12]زمُّ شفتي أم يوسف استمر، وكابوسها، ظل يعذبها.‏
[size=12]قال لها أبو يوسف وقد لمح شفتيها وعبوسها وتقطيبها:‏
[size=12]ـ أنت تشبهين ابن الأحمد شبهاً بعيداً.‏
[size=12]ـ وأنت تشبه من؟‏
[size=12]ـ أنا أشبه شجرة التوت.‏
[size=12]لم تجب أم يوسف، لأن حياتها في البيت الترابي قرب الجذع الكبير لشجرة التوت، تحبها كثيراً، وتذيع في روحها القليل من الأمل، لأن روحاً كروحها، يسكنها العذاب، وتسكنها الكوابيس، ليس هيناً على أي بارق أمل أن يسطع فيها...‏
[size=12]عاد أبو يوسف إلى الكلام، وقد شاقه أن يتحدث عن بيته والشجرة التي ألفها وأحب معها الحياة والناس:‏
[size=12]ـ لا أدري كيف اندحرت حياتنا الطيبة يا أم يوسف؟‏
[size=12]الشتاء الذي مر كان صاعقاً وغاضباً‏
[size=12]ـ مثل ابن الأحمد و...‏
[size=12]ـ ألا تعرف أن تنساه؟‏
[size=12]لم يجب على سؤالها، وراح يغني بصوت خفيض:‏
[size=12](ما بين طرفة عين وانتباهتها‏
[size=12]يغير الله من حال إلى حال)‏
[size=12]لم يدم غناء أبي يوسف، وحديث زوجته، لأن خطوات ولدهما اقتربت...‏
[size=12]سألت الأم الولد:‏
[size=12]ـ أنت اليوم زرتها، لماذا لم تسألني؟‏
[size=12]ـ أخبريني هل أعجبتك؟‏
[size=12]أبو يوسف ازداد إصغاؤه، ولم يتكلم، ليسمع كلام زوجته المحترمة، بسبب علاقتها الطيبة، مع حدوتها، ودجاجاتها:‏
[size=12]ـ هل ينقصنا فقر، حتى توقعنا هذه الوقعة، وترمي نفسك هذه الرمية،‏
[size=12]ـ هي بنت تربيتها جيدة، وعينها لا تنظر إلا إليّ.‏
[size=12]ـ أنت كوالدك متى أحببت، لا تعرف أن تترك أو تفلت، تعلق مثل العصفور (الغشيم) على أول (دبق).‏
[size=12]ضحك أبو يوسف، وكأنه يقول بضحكته لأم يوسف:‏
[size=12]ـ أنت الدبق... واللعنة على هكذا دبق...‏
[size=12]لكنها لا تفهم كثيراً بالتلميح... حتى بالتصريح تفهم ببطء. قال الولد:‏
[size=12]ـ هي قريبتنا، والدها ووالدتها، وأخوها موافقون على زواجي منها.‏
[size=12]ـ أمها ترى نفسها فوق كل الناس، وهي أقل الناس.‏
[size=12]ـ هي تحب والدي وتقول عنه: إنه ابن عم والدها، وإنه قديم في قرية شجرة التوت، وتقول إن القرية سميت باسم شجرته.‏
[size=12]ـ أنت وأبوك الكلمة تأخذكما إلى آخر الدنيا وتعيدكما.‏
[size=12]أنجز أبو يوسف لفافة التبغ العريضة... وأشعلها وعبّ منها نفساً عميقاً، ثم نفثه ثانية، وانتبه إلى زوجته وابنه، وهما يتحاوران بشأن القريبة، التي اجتمع بها الولد، وأحبها، وهي أحبته، ولعلهما لم يحب كل منهما الآخر، بل وجد كل منهما قبولاً عند الآخر، فاستجابا لهذا القبول، وسمياه حباً، لأنهما لم يعيشا، من قبل الحب، ولم يعرفا فن الاشيتاق...‏
[size=12]والحقيقة الأصعب، في هذا الحب الطارئ، أن الواحد منهما لن يجد أفضل من الآخر... يصح عليهما المثل (الطيور على أشكالها تقع) أو (جحا أتعس من أخيه).‏
[size=12]لكن أم يوسف، كما وصفها، أبو يوسف سيئ طبعها، لا يمكنها أن تفرح، أو أن ترضى... ولعلها لم توفق يوماً إلى أن تذوق السعادة، ولعل حالة البؤس والتقطيب الملازمة لحاجبيها ووجهها، هي في أعماقها كصخرة، من صخور التلال الفاصلة بين قرية شجرة التوت وقرية النبع.‏
[size=12]وزاد من حدة موقف أم يوسف تجاه حب ابنها، إضافة إلى الخلل الشامل، الذي يشمل حبيبته، إضافة إلى الخلل هذا، هناك خلل آخر، هو أن أمها ترى نفسها أهم من أم يوسف، وهذا ما ينغص عليها.‏
[size=12]***‏
[size=12]بقيت سمر رغم زواجها، وهربها، من زوجها، نضرة النفس، وبهية، وسلمان لم يقدر، على نسيانها، والسيطرة على هواجسه ومشاعره تجاهها... استبد بروحه حب سمر، فصارت ملء حياته، وشغل أحلامه وتفكيره...‏
[size=12]رآها يوم تزوجت، رآها في حلمه، تركض في جهة من جهات القرية البعيدة، القريبة من الغابات، ورأى والدها يركض وراءها غاضباً... ورأى أختها رباباً تركض وتبكي...‏
[size=12]حاول في اليوم التالي أن يذهب إلى بيت ابن الأحمد، بحجة أنه يريد الجلوس إلى قرميد، لكن محاولته أفشلها خوفه من ابن الأحمد، الذي رآه، من بعيد، وهو يقتلع الأشواك الكبيرة المحيطة بالشجرات.‏
[size=12]همهمات ابن الأحمد، وهو يعمل في أرضه المجاورة لأرض ابن الصالح وكريم تنبئ عن مكان وجوده، قبل مشاهدته.‏
[size=12]هو لا يعرف كيف يتنهد أو يهمهم أو يتنفس أو يتكلم إلا بصوتٍ عالٍ، علواً مزعجاً ومخيفاً أحياناً... أدرك الخوف سلمان، قبل أن يصل إلى الباب الخشبي الذي صنعه ابن الأحمد بعناية... الباب يتوسط السياج، المرفوع حول الأرض والأشجار... الباب والسياج يدعوان إلى الضحك، وكأن ابن الأحمد رفع السياج وصنع الباب، لا ليرد أحداً عن أشجاره، بل ليزين تخوم أرضه. السياج عيدان متداخلة، مربوطة بعضها ببعض... والباب كالسياج، لكن عيدان الباب أكثر متانة... وقفل الباب قفل غير عادي: عود متين، يسحب، فيصبح الباب حراً، يعاد فيصبح الباب مقيداً...‏
[size=12]سلمان يعرف سياج الأرض والباب معرفة أكيدة، ويعرف كيف يفتح، وكيف يغلق، لكنه لم يجرؤ على فتحه، خوف أن يصرخ في وجهه ابن الأحمد... عاد سلمان، خائفاً، خائباً، يجتر حلمه الذي رأى فيه سمر تركض، ووالدها يركض وراءها، لم يرى سلمان وهو عائد إلا زوجة ابن الحمودة، فتمنى على نفسه، أن يقف عندها ويسألها عن سمر. وعاين شجرة التوت، فلمح أم يوسف، ولم يوفق بنظراته إلى أبي يوسف... ولو أنه رآه لأقبل عليه، وسأله عن سمر وواقع حالها وحياتها...‏
[size=12]وفي المساء علَم من حيث لا يريد أو لا يحب.. بزواجها. علَم من أم يوسف، كما علمت القرية بأكملها.‏
[size=12]مرت على الجيران جميعاً، تخبرهم: "سمر تزوجت، في قرية النبع، ولد (قحموص).. هذا ما قاله أسعد.. وقال إنَّ حياة عائلة (قحموص) وولده حياة بائسة، وإن سمراً كارهة هذا الزواج".‏
[size=12]وصدقت نبوءة الأيام وشجرة التوت، وهربت سمر من زوجها، وعادت معها قصة الزواج والهرب ووالدها.. عادت تعذبها، وتؤلم روح أمها وتنغص عليها حياتها مع والدها. سلمان وحده، من بين الجيران الكثيرين، لم ينظر إلى سمر نظرة مؤذية.. بقيت حبيبة وحلماً لا يبرح رأسه وحياته.. بقي يراها وهو مشوق إليها، ويبحث عنها، تحدوه لهفة العاشق، البكر: تعثر في المدرسة، والدروس، وفشل في متابعة الرحلة مع الكتب، والنجاح، أما حبه لسمر فقد نجح نجاحاً أكيداً في امتلاك كل نفسه وآماله..‏
[size=12]بعد أيام من خصومة ولدي أبي يوسف حول ما بقي من البيت الترابي والأرض المحيطة به، قصد سلمان بيت ابن الأحمد، بغية معاينة سمر.. روعه أنه لم يرَ شجرة التوت، والبيت.. وملأه الأسف بصوت يخلو من العذوبة.. أحسه مزيجاً من صرخات ابن الأحمد المدوية، في وجه زوجته وأولاده، وصوت ابن آوى (أبو زهرة). ظل يمشي إلى حيث الدرب المؤدي إلى بيت ابن الأحمد، وظل صوت الأسف يعذب باله، وظل من حيث يريد أو لا يريد، ينظر إلى بيت أبي يوسف والجذع المتبقي والأرض القريبة المسيجة بالقليل من العيدان. لمحته سمر من بعيد، لكنها غابت في جهة من جهات الكرم القريب من البيت، ولم ترد أن يلمحها، ويأتي إليها ليحدثها:‏
[size=12]رغم أنها تشعر بالمودة والمحبة تجاهه، لكن زواجها غير الموقف، صار كالجدار بينها وبينه، وهي لا تحاول أن تتجاوزه خوف أن تسقط..‏
[size=12]***‏
[size=12]-(عبدو الشاعر) يزور أخته يا جبيلي.‏
[size=12]-من أخبرك يا يوسف؟‏
[size=12]-أخبرتني رباب بنت ابن الأحمد، أرسلها والدها، لتشتري البيض، فلم تجد عند زوجة كريم، فجاءت إلى الدكان.‏
[size=12]-ابن الأحمد طبعه عجيب يا يوسف.‏
[size=12]-كل حياته غرائب وعجائب يا جبيلي.‏
[size=12]-هو لا يشبه والده (أحمد السعيد) إلا في حبه للطعام، أما الأمور الأخرى فهو مختلف فيها عن أبيه يا يوسف، تصور ما يفعله بأولاده:‏
[size=12]شردهم واحداً بعد واحد.. ولده الكبير هجر البيت، وإلى اليوم لم يرجع.. جوهرة تزوجت من رجل كبير بالسن، حتى يمكنها أن تعيش بعيداً عن أبيها.. وسمر ـ كما سمعت ـ تزوجت ولد (قحموص) وهربت منه..‏
[size=12]قاطعه يوسف:‏
[size=12]-أما رباب فلن تتزوج إلا النحس، وطول الشقاء عند والدها، فهي ليست جميلة.‏
[size=12]-رباب تشبه أم يوسف.‏
[size=12]-وولده قرميد يعرج النهار بطوله وراء والده، وهو يقتلع الأشواك من الأرض.‏
[size=12]-أذكر ـ يا يوسف ـ أحمد السعيد، كان أقوى من الأيام السوداء..‏
[size=12]يعمل النهار بطوله، في أرضه، وفي الليل يسهر في بيته، يقرأ ويكتب، أو يذهب لزيارة قريبي والد (عبدو الشاعر) في (قرية النبع).‏
[size=12]شياله أصغت إلى حديث الجبيلي ويوسف، وهما جالسان في الدكان، واسترعى انتباهها اسم (عبدو الشاعر) وقارنت بينه وبين يوسف، من حيث لا تريد، قالت في نفسها:‏
[size=12]"يوسف يحبني، لكنه لا يعرف كتابة الأشعار، ولا يغني الأغاني، أما (عبدو الشاعر) فإنه يكتب لي الأشعار، .. أسعد (المهبول) يحفظ الأغنية التي غناها لي، وقت أحبني، قبل أن نترك قرية النبع".‏
[size=12]يوسف لا يعرف أن عبدو الشاعر أحب شياله، قبل سفرها وسفره من القرية، ولو أنه علم بأمر هذا الحب، لكانت نظرته إلى (عبدو) تغيرت، ولكان ارتياحه لـه استبدل بالغيرة والشعور بالكراهية.. لم يدم حديث الجبيلي ويوسف، وتوقف خيال شياله عن المشابهة والمقارنة لأن صوت أبي يوسف جاء حنوناً قوياً:‏
[size=12]-أين أنت يا جبيلي؟‏
[size=12]سمعت شياله النداء.. و(سبهه) التي كانت في (الحواكير)، تبحث عن بيضات الدجاجات التائهة، سمعت النداء.. ولولا أن رأت الجبيلي ويوسف همّا بالترحيب بأبي يوسف، لكانت بادرت بالترحيب به من بعيد.‏
[size=12]قالت (سبهه) لنفسها، وهي تعاين أبا يوسف يمشي متمهلاً وينظر إلى الجهات، كمن يبحث عن غيوم ماطرة، لتسقي كروماً عطشت، أو ينتظر أمراً، لعله يوفق إليه أو إلى أخبار عنه، قالت (سبهه):‏
[size=12]"هذا هو صاحب الشجرة العتيقة، كما سمّاه أحمد السعيد، يمشي على مهل، ويرفع رأسه بين الحين والحين لينظر، أو ليؤدي التحية لأحد الجيران.. هو يمشي ورأسه مطرق، وكأنه خائف من حفر الدرب أو من الأفاعي، تجيء من التخوم الخافية عنه.. وكيف لا يخاف من الحفر والأفاعي، وقد ذاق مرّ الحياة كثيراً، حتى ذاق حلوها قليلاً؟ لكن ولديه المتزوجين أساءا إلى حياته بقطع الشجرة، وإهمال البيت ومحاولة هدمه هدماً تاماً، وأساءا إلى كل جار وكل بيت".‏
[size=12]الجبيلي أبى على نفسه أن يعانق صديقه العتيق إلا على المصطبة، قرب جذع الشجرة وظلالها، التي أمام بيته، ويوسف رحب بكل مشاعره، واستحضر كل لياقاته الترحيبية، القليلة والبائسة، ليشعر أبا يوسف، بأنه مسرور للقائه، وأنه كبقية الجيران، يحس بالأسف لتركه قرية شجرة التوت.. لكنه رغم كل ترحيبه، لم يرغب بجلوسه في الدكان، لأنه، بذلك يفوت عليه فرصة مشاهدة شياله.‏
[size=12]على المصطبة بدأ الجبيلي الاحتفاء اللائق ـ بنظره ـ بأبي يوسف: صافحه بكلتا يديه، فتذكر أبو يوسف، على الفور، أسعد، وطريقته بالمصافحة.‏
[size=12]بعد المصافحة الشديدة، كمظهر أول من مظاهر الاحتفاء، بدأ الجبيلي رحلة العناق مع صديقه العتيق. وعناقه (أشد وطأة على الوجه من وقع الحسام المهند) هو كالعض أو كالضرب.. ويطول عناق الجبيلي فتطول معاناة المبتلي بعناقه، وترحيبه.. أبو يوسف لم يستطع رد طوفان عضات أو قبلات الجبيلي، فاستسلم مغلوباً على أمره حتى انتهت رحلة الاحتفاء القاسية، والشائكة كأرض ابن الأحمد.‏
[size=12]شياله راقها رؤية العناق العنيف، وراقها أكثر أن تقرأ ملامح أبي يوسف، الذي سمعت عنه الكثير، ولم تره إلا سريعاً.‏
[size=12]ملامح أبي يوسف تسعد الناظر إليه، وتشيع فيه حالة من الطمأنينة.. وهي بارعة في الخلاص من اليأس والتعاسة.. صوته حنون، يخلص السمع من ضجة الصراخ الذي لا نفع منه، بل أذاه كبير. هذا ما قالته شياله لنفسها وهي تعاين أبا يوسف، وهو يجلس على الكرسي الصغير، ويسند ظهره إلى الجذع.. يوسف لحق بهما، وقد بان على شعره الماء، فعرفت شياله أن يوسفاً، لا يدع للفوضى أن تؤذي هندامه وأناقته، أمامها.. فهو حين يعرف أنه قد يراها، يحلق ذقنه حلاقة متأنية، ويسرح شعره باهتمام، ويرش القليل من العطر على وجهه وثيابه.. لا يفصل الدكان عن بيت الجبيلي إلا حفاف الدرب. خطوات قليلة يمشيها يوسف فيصل إلى بيت الحبيبة. الجبيلي أقبل على الباب المفتوح، فبانت لـه (شياله) تسرح شعرها وتهتمّ بملامحها، فنادها بالإشارة، لأنه لو تكلم هامساً، لأيقظ النائمين، في الحارة (الفوقانية) وهو يعرف قوة صوته، وجهله المطبق بالهمس، ولهذا اكتفى بالإشارة، وشياله الأنيقة القارئة الكاتبة، تفهم بالإشارة، كما يصفها قريبها الجبيلي، الذي يعتبر كل من كتب على صفحة بيضاء، كاتباً، وكل من قرأ سطراً في كتاب، قارئاً.. من هذا الباب وصف شياله بالقارئة والكاتبة، لأنها تعرف القراءة وتستطيع الكتابة.. علمها جمالها الأناقة، وعلمتها الأيام وعبدو الشاعر وأغانيه أن تقرأ وتكتب.‏
[size=12]فهمت شياله إشارة الجبيلي، وبادرت على الفور إلى إحضار الإبريق الكبير، المعلق في الخشبة المركوزة في الجدار.. وقد تاهت عيناها أول الأمر، ولم توفق إلى هذا الإبريق، الذي يصفه الجبيلي:‏
[size=12]"إبريق يليق بالمقام، وغطاؤه مربوط بسلسلة خاصة بربط الأغطية بالأباريق، ولا يجوز أن نقدمه للبعيد والقريب، هذا إبريق الكبار، لأن الكبير للكبير.."‏
[size=12]تذكرت شياله وصفه للإبريق، وهي تبحث عنه في الأغراض المعلقة بالخشبة، المخصصة للأغراض والغبار وكل شيء نافع وغير نافع.‏
[size=12]خشيت شياله أن تسقط الخشبة، وما عليها من أغراض وأن تتسخ عباءتها بالكثير من الغبار وسواه، من الأوساخ المتراكمة.‏
[size=12]أخيراً اهتدت إلى الإبريق، سحبته بهدوء، فلحقه غطاؤه المعلق به، محدثاً صوتاً خفيضاً، جراء اصطدامه، بالأغطية الأخرى، غير المربوطة.‏
[size=12]الجرة، لتي في الداخل، ذات شأن وأهمية، كالإبريق، إذ لها غطاء فخاري، ولها وعاء فخاري أيضاً، يستخدم كوسيلة اتصال وحيدة بين خارج وداخل الجرة.. حسب تعليمات الجبيلي التفصيلية، بخصوص الجرة، وميزاتها، وأسلوب التعامل معها.‏
[size=12]لم تتجاوز شياله التعليمات. حملت الإناء المربوط بـ (يد) الجرة، وملأته، وغسلت به الإبريق لأنها لو غلت الشاي بالإبريق، قبل غسله، لكانت الشاي غبارية، وهذا ما لا تتمناه لواحد كأبي يوسف.. بعد أن ملأت الإبريق ماء سلسبيلاً.. بدأت رحلة البحث عن السكر والشاي.. قدرت شياله أن (سبهه) تضع السكر والشاي في كيسين خاصين، فراحت تبحث عن السكر والشاي على الرف الخشبي ميسور الحال، الذي حمل من الأكياس، ما ثقل وزنه وقلت فائدته..‏
[size=12]اجتهدت شياله ما أمكنها الاجتهاد، في البحث. نقلت الكثير من الأكياس وبدلت في أمكنتها، دون جدوى، حتى أعياها البحث، فراودتها فكرة أن تطلب من يوسف إحضار الشاي والسكر من الدكان.. لم تحقق فكرتها، لأن صوت (سبهه) بلغ سمعها، وهي تسأل أبا يوسف عن حياته وزوجته وأولاده، وقد انتقلت سريعاً من أسئلتها المتلاحقة عن أحواله وحياته إلى الحديث عن الدجاجات و(توهانها):‏
[size=12]-تنوه عن أماكنها، فتبيض بين العشب، وعند التخوم وفي الحواكير فيسرقها أولاد الحرام.‏
[size=12]قال لها أبو يوسف، وقد حضرته صورة زوجته، وهي تبحث عن الدجاجات وبيضاتها، وتشتم السارقين قال:‏
[size=12]-لو كانت أم يوسف موجودة، كانت علمتك كيف ترجعين الدجاجة التائهة إلى مكانها..‏
[size=12]ختم صوت ابن الأحمد الراعد الحديث الدائر بين سبهه وأبي يوسف، ولعله ختم أحاديث كثيرة:‏
[size=12]-أين أنت يا زهوة؟‏
[size=12]انتبه أبو يوسف إلى جهة أرض ابن الأحمد القريبة من أرض ابن الصالح، فلمحه وهو مكب على الأرض، يقتلع عشبها، وينادي نداءه الراعد المعهود، في قرية شجرة التوت وكل حاراتها، أعاد السؤال بالقوة نفسها:‏
[size=12]-أين أنت يا زهوة؟‏
[size=12]ردت زهوة:‏
[size=12]-أنا هنا.. الآن انتهيت من الخبز، وسأرسل لك الغداء على الفور، مع رباب.. بلغ الجواب سمع ابن الأحمد، فتوقف عن النداء.. أما ولده قرميد، فبانت قامته المربوعة قليلاً، وهو يعرج صاعداً إلى حيث والده..‏
[size=12]أبو يوسف يروق لـه أن يظلّ يرقب الكروم والتخوم الخضراء، المترامية.. فهي حكايات عمره وروحه.. نامت صرخات ابن الأحمد واستقرت أمنياته، بعد أن أخبرته زوجته، بأنها خبزت، وهيأت لـه الغداء، وسترسله مع رباب.. شغلت أنفاسه رائحة الطعام المتخيل، قبل أن تهم بحمله بنته.. وخوف واحد بقي يشاغب على رائحة الطعام التي تستحضرها أنفاس ابن الأحمد، متى اقترب موعد الغداء، أو موعد أية وجبة أخرى لها علاقة بالغداء أو بالصباح أو بالعشاء.. لا شيء يسيطر على خيالات ورأس ابن الأحمد كالطعام.. خوف واحد بقي يشاغب على نكهة الطعام القادم، هو خوفه من غباء رباب، وجهلها الكامل بالحياة والآخرة.. فهي قد تسقط في وضح النهار، في حفرة بسيطة من حفر الدرب.. قد تتعثر قدمها بقدمها، فتهوي، ويهوي معها الطعام، وقد تطعم أسعد إذا صادفته أو أي رجل كأسعد.. والمصيبة الأكبر في هكذا رحلة تقوم بها رباب، من البيت إلى الكرم حيث والدها، أنها ـ أحياناً ـ تثأر لنفسها من الطعام، خاصة إذا كانت (البطاطا المسلوقة)،‏
[size=12]هي الوجبة، فتقبل على الصحن ـ فتأكل كل البطاطا، ولا تتذكر أن والدها يعاقبها على ذلك عقوبة شديدة، إلا بعد أن تكمل ثأرها..‏
[size=12]حمل قرميد الجرة الفخارية الصغيرة، وقدمها لوالده بخشوع، وخشية، من أن تناله لطمة طائشة من كف أبيه..‏
[size=12]تناول ابن الأحمد الجرة، وقبل أن يضعها على فمه الواسع المحترم، سأل ولده:‏
[size=12]-هل تكون ملأت الجرة من الساقية، بدل أن تملأها من النبع؟‏
[size=12]أجاب الولد، دون أن يعرج شرقاً أو غرباً أو جنوباً أو شمالاً:‏
[size=12]-ملأتها من النبع، وكانت زوجة ابن الصالح هناك، ورأتني.‏
[size=12]انشغل ابن الأحمد عن الحديث مع ولده، بشرب الماء من الجرة، وقد أحس بعذوبة الماء، فراقه أن يشرب أكثر وأكثر.. بعد أن ودع فمه فم الجرة، نظر بعينيه، نظرات محددة إلى جهة البيت، فلمح رباب تخرج من باب السياج، فازداد خوفه وازدادت شهيته.‏
[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/siz
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Dew Dг♡p
كبار الشخصيات VIP
كبار الشخصيات VIP
Dew Dг♡p


مسآهمـآتــيً $ : : 2603
عُمّرـيً * : : 29
تقييمــيً % : : 58058
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 28
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 30/06/2010

شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير   شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty25/7/2012, 2:29 am

شكككرا حبيبتى ع الموضوع الاكثر من رااائع
ننتظر المزيييد من ابداعاتكك
تقبلى مرورى
ودى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Beren saat
صديقة المنتدى
صديقة المنتدى
Beren saat


مسآهمـآتــيً $ : : 282
عُمّرـيً * : : 24
تقييمــيً % : : 45748
سُمّعتــيً بالمّنتـدىً : : 9
أنضمآمـيً للمنتـدىً : : 08/07/2012

شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير   شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير Empty4/8/2012, 3:40 pm

شكرا يا قموووورة على الرد و على المرور يا قمموووورة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شجرة التوت الفصل الرابع و الاخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
*ღ منتديات احلى بنات للبنات فقط ღ*  :: ~►♥ اقـسـام الـعـبـر ♥◄~ :: أقلام أحلـى بنات ☁. :: أجمل القصص & الروايات ☕ !.-
انتقل الى: