رمضان وكنوزه العظيمة
أحبتي في الله ..
إن شرائع الله ، فاالله شرع الصيام لحكم عظيمة ، وغايات كريمة
من أعظمها: تحقيق العبودية الحقة لله ، فالعبد يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ، لأن الله أمره بذلك ، وهذا من أعظم الدلائل على الإيمان .
فهو ما ترك هذه الأشياء إلا لعلمه أن الله فرض عليه ويؤمن ايضاأن الله يعوضه خيراً منها في الدنيا والآخرة ، بل انظر على الحديث القدسي :
" ترك طعامه وشرابه من أجلي "
من حكمه: تحقيق التقوى :ـ
وأنعم بها من خلة وأكرم بها من نعمة ، والمتقي عبداً أطاع ربه ومولاه ، وابتعد عن مساخطه وما لا يرضاه ، سعى في تحقيقها ، وجاهد في تحصيلها وما اتقى الله من ترك لنفسه العنان ، لم يلجمها بلجام التقوى ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة أن يدع طعامه وشرابه " رواه البخاري
" ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر "
كم هي الثمار عظيمة عندما تتأثر القلوب بالصيام ،فترى الألسنة قد كفت عن الحرام ، وترى الأبصار قد غضت عن الحرمات وترى الأيدي قد حفظت عن الآثام .
كم يتدرب الصائم ويتعلم الإخلاص في رمضان ، ولذا قيل: أعظم الأعمال التي يظهر فيها الإخلاص – الصيام- .
لأن الصائم يخلو وحده لا يراه أحد ، ومع ذلك لا تجرؤ نفسه على الطعام والشراب لعلمه بنظر الله عليه ومراقبته لربه جل وعلا .
استحضر أيها الصائم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه
فأنت لا تصوم لأن الناس حولك صائمون ، بل صُمْ لن الله فرض عليك الصيام ، واحتسب الأجر والثواب على ذي الجلال والإكرام .
من أثر الصيام ما يحدثه التخفيف من الطعام والشراب من صفاء الروح وسمو النفس وعلوها ، ولذا قيل للإمام أحمد : " أيخشع القلب والبدن شبعان ؟ قال : ما أظن ذلك .
فالصائم وقد حبس نفسه عن الطعام والشراب ترفعت نفسه وصفت روحه وشعر بالرقة ، وتنعم بالأنس .
ويضاف إلى التخفيف من الطعام والشراب التقليل من المخالطة للآخرين ، ومن فعل ذلك يرجى له التلذذ بالطاعات والتنعم بالقربات ، ولكننا بأحبتي نصوم من الطعام والشراب نهاراً ونتخم المعدة ليلاً فلا نرى خشوعاً ، ولا نشعر بروحانية الصيام في نفوسنا .
وإذا كان أهل التربية يرون أن المرء يخفف من مخالطة الناس في سائر الأوقات ، فكيف بهذه الأوقات المباركة التي هي كما سماها الله { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } البقرة184 جديراً بالعقل أن يحرص على حفظ وقته بالإكثار من الجلوس في بيت الله .
في الصيام التمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها عند النزغات والمثيرات .
وفي الحديث " فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم "
في رمضان يتذكر الصائم الفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون طعاماً يسد جوعتهم ويروي عطشهم .
كان عمر بن عبدا لعزيز لايشبع وقت خلافته فيقال له : يا أمير المؤمنين: لما لا تشبع ؟ فيقول : حتى لا أنسى الجوعى .
إن المرء إذا شعر بألم الآخرين لا ينساهم ، فالصائم ربما ذاق ألم الجوع فتذكر الجائعين .
فرأف بهم ورحمهم وجعل لهم من ماله حظ ونصيب ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان " رواه البخاري .
أبواب وقفة محاسبة على الشهر أحبتي في الله ..
لنقف اليوم ونحن على مشارف هذا الشهر المبارك وقفة مصارحة ومحاسبة . لنتذكر حالنا في رمضان الماضي ، هل كلن حال مرضي ، كيف كان حفظنا للصيام ، كيف كان حالنا عند القيام ؟
هل كنا نتلذذ بالصيام نشعر بالأنس والفرح عند ساعات الإفطار .
هل كنت ممن تؤثر السهر الطويل وتتلذذ بكثرة الركوع وطول السجود ؟
هل كنت تنتظر صلاة التراويح بفارغ الصبر ، أي الرجلين أنت أخي المبارك :
{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الزمر9 .
هل كنت عند تلاوة الآيات وسماعها كما وصف الله أهل الآيات ؟
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23
عن أم سعيد بن علقمه " قالت " كان داود الطائي ـ رحمه الله ـ جاراً لنا ، فكنت اسمع بكاؤه عامة الليل لا يهدأ ، ولربما ترنم في السحر بشيء من القرآن ، فأرى أن جميع نعيم الدنيا قد جمع في ترنيمه تلك الساعة .
كان العبد الصالح داود الطائي ـ رحمه الله ـ يحي الليل بالصلاة والبكاء والمناجاة ، ثم يقعد بحذاء القبلة فيقول : يا سواد لليلة لا تضيء ؟!! ويا بعد سفر لا ينقضي ، ويا خلوتك بي تقول : داود ألم تستح؟!!
قال أبو سلمان الداراني ـ رحمه الله ـ ربما أقوم خمس ليال متوالية بآية واحدة ، أرددها وأطالب نفسي بالعمل فيها ، ولولا أن الله تعالى يمن علي بالغفلة لما تعديت تلك الآية طول عمري ، لأن لي في كل تدبر علماً جديدا والقرآن لا تنقضي عجائبه !!
كان السري السبطي ـ رحمه الله ـ إذا جن عليه الليل وقام يصلي دافع البكاء أول الليل ، ثم دافع ، ثم دافع ، فإذا غلبه الأمر أخذ في البكاء والنحيب .
أوصيك أخي المبارك ..
أوصيك أختي المباركة ..
أن نجتهد في تحصيل هذه اللذة ، وإذا لم نحصل عليها في أيام وليال رمضان فمتى نحصل عليها ؟
قال بعض السلف:
" مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا ألذ ما فيها ، قيل: ما ألذ ما فيها ؟ قال : الأنس بالله والتلذذ بخطابه والوقوف بين يديه "
رمضان فرصة عظيمة لإزالة وحشة قلوبنا .
إذا قمت إلى صلاتك فتذكر عظمة هذا المقام .
وإني أوصيك إذا كنت إماماً أن تعظم هذه المسئولية وتصلي بالناس بخشوع ، وأوصيك إذا كنت مأموماً أن تبحث عما فيه صلاح قلبك ، جاء أناس إلى الإمام فقالوا له: يا إمام هل يجوز للمصلي أن يترك مسجد الحي ويذهب إلى إمام آخر ؟ فقال : أبحث عما فيه صلاح قلبك .
حرك قلبك عند سماع مواعظ الله ، ألم يقل ربنا : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) } يونس 57 ـ 58
ولك في رسول الله ، فها هو يمر على ابن مسعود ومعه صاحبان ، فيستوقفهم ابن مسعود بصوته الندي وترتيله السجي ، فيقف ويسمع وينتظر طويلاً كل ذلك تلذذاً بسماع الآيات .
كم يسعد المرء عندما يرى الجموع المؤمنة تفد على بيوت الله مبكرة تنتظر صلاة التراويح ، كم تسعد العين وهي ترى التنافس على الصفوف الأولى في هذه العبادة ، فأين أنت منهم يا رعاك الله ، ألم تكن الصلاة قرة عين نبيك ؟
فأين هي من قلبك ؟
تذكر حال السلف ، يقول أحدهم والله ما خرجت من صلاة إلا واشتقت إلى ما بعدها .
يا ويح قلوبنا ويا وحشة النفوس ويا بعدها عن مواطن الرحمات .. أيها المبارك .. أيتها المباركة ..
ها هو شهر رمضان حل ، وها هي مواطن الرحمات قربت ، فكيف سيكون حالك مع القيام ؟
كيف كان حالنا مع القرآن الكريم ، ورمضان هو شهر القرآن ، تأمل في حال السلف .
لقد كان السلف يعظمون كلام الله ، ولا يقدمون عليه كلام ، هذا على الدوام ، أما في رمضان فلهم فيه شأن آخر ، كانوا يتركون كتب العلم " أقول كتب العلم " لا جرائد عصرنا وصحف وقتنا ، كم مرة ختمت أخي القرآن في رمضان الماضي ؟
كيف كان حال سلفنا الصالح ، كان للشافعي في كل يوم وليلة من رمضان ختمتين .
وقد تقول لي .. ذاك زمان سلف ، وأقول هذه حجة الباطلين الكسالى ، إن في زماننا أيها الأخوة من يختمون القرآن في كل يوم وليلة مرة .
وأعرف رجلاً في جماعة مسجدي يختم في رمضان كل ثلاث ، وقال لي .. لو أن بصري يساعدني لختمت كل يوم ختمه وله تجارته وأعماله..
إذاً حالنا كان مع القرآن في رمضان الماضي لا يسر ، فهل نستمر على ذلك ؟
تذكر أن القرآن شفيعاً لأصحابه يوم القيامة بمنطوق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
" فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه "
ولقد اجتمع لك في رمضان شفيعان كريمان .. القرآن والصيام .
وإن كتاب الله أوثق شافع
وخير جليس لا يمل حديثه
وحيث الفتى يرتاع في ظلماته
هنالك يهنيه مقيلاً وروضةً
يناشد في إرضائه لحبيبه
فيا أيها القارئ به متمسكا
هنيئاً مرئياً والداك عليهما
فما ظنكم بالنجل عند جزائه
أولو البر والإحسان والصبر والتقى
وأغنى غناءٍ واهباً متفضلا
وترداده يزداد فيه تجملا
من القبر يلقاه سنا متهللا
ومن أجلة في ذروة العز يجتلي
واجدر به سؤالاً إليها موصلا
مُجلاً له في كل حال مبجلا
ملابس أنوار من التاج والحلي
أولئك أهل الله والصفوة الملا
حلاهم بها جاء القرآن مفصلا
وأريدك يا رعاك الله أن تعيش مع القرآن بقلبك وتدبره تدبر الباحث عن النجاة وحسبك أن الله قال : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } الإسراء9
تدبر وأنت تقرأ هذا القرآن نعم أهل الجنة {ياعبادي لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }الزخرف 68
تدبر هذا النداء الكريم الذي يطمئن النفوس من هم {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ }الزخرف69 ، ما هي البشارة ؟ " ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ " ثم تنتقل بك الآيات على مشهد آخر ، مشهد العذاب والنكال والخزي {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }الزخرف74
جمع لهم بين الخلود واليأس من الرحمة ، لماذا دخلوا هنا ، ما الذي أوجب عليهم الدخول { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }النحل118
، ثم اسمع هذه الآية : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ }الزخرف77 قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ }الزخرف77
ماذا يريدون من مالك خازن النار ؟ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ، يطلبون الموت ، فهل يجابوا ؟ نعم يجابوا ، ولكن بجواب يخلع ما على قلوبهم إلا اليأس ، قال {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ }الزخرف78
مرحى أيها المبارك .. مرحى أيتها المباركة ، وأنتم تقربون القرآن ، وعيشوا مع هذه الآيات ، وبهذا نستمتع بالقرآن ، إن كثير منا يقرأ القرآن ولكنه يخرج بشاهد ، ويسمع أغنية ، أين أنت من القرآن ؟
كيف كان حالنا مع الذكر ، كيف كان حالنا مع البر والصلة ، كيف كان حالنا مع الجود والصدقة وتفطير الصائمين ، رمضان موسم للصدقة والإنفاق ألم يكن نبيك أجود الناس .. تشبه به ، هذه كانت حقيقة أحوالنا للسنوات الماضية فهل سنبقى على هذا الحال ؟
لقد كنا دائماً نحدث أنفسنا بانتهاز فرصة رمضان ، فها هو رمضان قادم ، فما عسانا فاعلون ؟ رمضان يطل علينا هلاله بعد أيام ، فأي رمضان يكون رمضانك هذه المرة ؟
* هل هو رمضان المسوفين الكسالى ؟
* أم هو رمضان المسارعين المجدين ؟
* هل هو رمضان الصيام والقيام الحقيقي ؟
* أم هو رمضان صيام العادة وقيام الكسالى ؟
* هل هو رمضان الحفظ على الجوارح والأركان؟
* أم هو رمضان الضياع ومشاهدة المسلسلات والأفلام ؟ أيها الأحبة ..
ألم يعتصر في قلب كل مؤمن ومؤمنة يجدون شدته في صدورهم ووطأته على نفوسهم .
انه شبح الإعلام .. نعم الإعلام وبالتحديد الوسائل الإعلامية المرئية التي صارت تكثف جهودها وتحشد جنودها وترص صفوفها من أجل شغل الأوقات الفاضلة في هذا الشهر الكريم .
لقد تسابقت تلك القنوات تسابق غير شريف وتتنافس تنافساً غير كريم لصد الناس عما ينفعهم .
أيعقل ياعقلاء قومي أن يصير هذا الشهر الكريم عند المحرومين شهراً يتضاعف فيه الفسق والعصيان؟
أيعقل أن تتضاعف الجهود من أجل تحويل شهرا تتنزل الرحمات إلى شهر الفن والتمثيل والطيش والسفه؟
نعم والله لقد صار .
ماذا أصاب الناس ؟ وما الذي دهاهم ؟
أزهدوا في الثواب والأجر ؟ أرغبوا في هذه المواسم العظيمة بالسيئات والأوزار ؟
ألم يكفهم ماعليه الناس اليوم من ضعف في الإيمان وكسل
عن الطاعات حتى راحوا يفسدون على الناس موسمهم الكريم ببث أفلام ساقطة ومسلسلات هابطة وفوازير مفسدة ، وأغان ماجنة ، ألا بعد للقائمين عليها وسحقاً وتباً لهم وقبحاً .
إنهم يهاجمون أياماً مباركة .
أيها الصالحون .. إنهم يريدون إفساد ليالينا الفاضلة ، يتسابقون في إقامة المسابقات التي لا يفوز إلا القلة النادرة ، فهل نفتح بيوتنا وقلوبنا وقلوب أبنائنا لهم ؟ لقد أبان الله هدف أهل الهوى والشهوات في آياته البينات فقال : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27
أين ذهب بك عقلك أيها الصائم القائم ؟ يوم تضيع هذا الموسم أمام شاشات ساقطة ومشاهد مخزية ، إني سائلك أخي ومشدد عليك في المسالة فلا يجد نفسك عليّ شيء .
ما الذي تجنيه من الجلوس خلف تلك الشاشات ؟
هل تخرج بزيادة الإيمان أم ضعفه ؟ هل تجد من نفسك اندفاعاً لفعل المعروف والتسابق إلى مرضى الرحمن .
فوقوفاً أيها المباركون في وجه ذلك الشر والشبح القاتل والمفسد الخطير .
إن رمضان أيامه قليلة وساعاته تطوى سريعا، وهو والله أكرم أن يضيع في مباح فضلاً عن محرم .
تذكر ذهاب الشهر وانصرام أيامه التي لن تعود عليك إلا بعد عام ، كم يموت فيه من إنسان ، فادعوا من هذا المكان الشريف أن تغلق كل ما يصدك عن ذكر الله ، تفرغ لطاعة ربك ، واجعل رمضان باباً تلج منه إلى الخيرات .
لا تدع لأولئك اللصوص فرصة أن يسرقوا منك أغلى ما تملك وهو هذا الوقت الثمين وقلبك السليم .
رمضان والانطلاقة الكبرى :-
لا زلت أذكر تلك الليلة التي جاءني فيها ذلك الشاب بعد أن انتهينا من صلاة التراويح ، فقال بنشوة وفرح ، أشهد ك أني تائب عائد إلى الله تعالى ...
فقلت له : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدت .
نعم .. أيها الأخوة والأخوات ..
لقد كان رمضان سبب لهداية كثير من الناس تأثرت نفوسهم بالطاعات وخشعت قلوبهم للآيات ، فتغيرت أحوالهم وتبدلت أوصافهم فقربوا بعد البعد ، واجتهدوا بعد الكسل ، انشرحت صدورهم للطاعات بعد أن كانت ضيقة ، وسارعت نفوسهم لمحاب الله بعد أن كانت نافرة ، فكم هي رحمة الله واسعة ، وكم هي أنعم على عباده متوالية .
رمضان فرصة عظيمة لتبديل الأحوال ، رمضان فرصة لمن كان مقصراً في الصلاة أن يحافظ عليها .
رمضان فرصة لمن هجر القرآن أن يعود إلى كتاب ربه .
رمضان فرصة لمن تلبس ببعض المعاصي والمحرمات أن يتركها .
رمضان فرصة لمن كان بينه وبين أحد قطيعة أن يصل من قطع .
رمضان فرصة لمن تكاسل عن بعض النوافل أن يجتهد في فعلها .
أتى رمضان مزرعة العباد
فأد حقوقه قولاً وفعلاً
فمن زرع الحبوب وما سقاها
لتطهير القلوب من الفساد
وزادك فاتخذه للمعاد
تأوها نادماً يوم الحصاد
جاء رمضان أيها الأحبة ليقول :
يا من طالت غيبته عنا
يا من دامت خسارته
قد قرُبت أيام المصالحة
قد أقبلت أيام التجارة الرابحة
يا معرضاً ..يامعرضا
** كم ينادى .. حي على الفلاح وأنت خاسر..
** كم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر ..
** يدعى أهل الاجتهاد فيجيبون. وأنت عن الإجابة نافر ..
** كم وصل الأحباب إلى مولاهم وأنت بقد م البطالة عاثر ..
** فجد أخي هذه مواسم الخيرات فاغتنمها وبادر ..
** وهذا إبَّان الزرع فهل للخير أنت بادر ؟ .
** هذا شهر رجوع النفوس الآبقة ..
** وهذا شهر صيانة النفوس عن المآثم اللاحقة ..
** هذا شهر اغتنام الخيرات والمسابقة ..
** فطوبى لمن تلقاه في توبة صادقة ..
** وشمر إلى فضائله بعزيمة واثقة .
نادي ربك أيها المسكين وقل ..
يا رب .. إن عظمت ذنوبي كثرة
إن كان لا يرجوك إلا محسناً
أدعوك يا ربي كما أمرت تضرعاً
ما لي إليك وسيلة إلا الدعاء
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم ؟
وجميل عفوك ثم إني مسلم
يا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان .. رمضان يناديك .
يا معرضاً عن الأرباح متعرضاً للحسرات .. رمضان يناديك
متى تنتبه من رقادك أيها الوسنان ؟ ، متى تفيق لنفسك أيها الكسلان ، أما ترى قوافل العائدين ، ألا تكرى تهجد المتهجدين ؟ ، وتسمع تلاوة التالين . ، وأنين المذنبين ، واستغفار المستغفرين ، أما في قلبك حياة لتغتنم مواسم الخيرات ؟ ، أوليس عندك همة لتبادر قبل الممات ؟ .
أحبتي .. تذكروا من صاموا معنا في الأعوام الماضية وقاموا .. أين هم الآن ؟ إنهم في لحود الأرض قد غيبوا ، وعن الأعمال قد منعوا ، كل واحد منهم قد أمّل أن يعيش حتى يدرك رمضان ، ولكن عمره انقضى ، فتذكر نعمة اله عليك إذ أبقاك وبعدهم ، وتركك ، وأخذهم .
قُل للمفرط يستعد
قد أخلق الدهر الشباب
أو ما يخاف أخو المعا
يوماً يعاين موقفا
فإلام يشتغل الفتى
يا من يؤمل أن يقيم به
وتروح داعية المنون
يختال في ثوب النعيـ
والعمر يقصر كل يوم
ما من ورد الموت بدُّ
وما مضى لا يستردُّ
صي من له البطش الأشدُّ
فيه خطوب لا تحدُّ
في لهوه والأمر جدُّ
وحادي الموت يحدُّ
على مؤ ملها وتغدو
ـم ودونه قبر ولحدُّ
ثم في الآمال مدُّ
أخي ..
إن بقاؤك حتى تدرك رمضان نعمة ، فكيف تقابلها ؟ وإن اتعاظك بقبرك حجة ، فكيف تنصرف عنها ؟
إلام تغر بالأمل الطويل
فدع عنك التعلل بالأماني
أتأمل أن تدوم على الليالي
وما زالت بنات الدهر تغني
وليس على الإقامة من سبيل
فما بعد المشيب سوى الرحيل
وكم أفنين قبلك من خليل
من الأيام جيلاً بعد جيل