في جوف ترعة نيلية تعيش قبيلة من السمك البلطي ، مختلفة اللون بها ثلاث عشائر ...
عشيرة للسمك الأسود ، وأخرى للأخضر ، وأخيرة للأحمر ...
كان أغلب أسماك العشيرة الحمراء ، تختلق مسببات للصراع مع العشيرتين السوداء والخضراء ... منها أن لونها أحمر مما هيأها للاستمتاع والقيادة ، وعلى الجميع أن يعمل لخدمتها .. وذلك رغم رفض بعض عقلاء تلك العشيرة هذه الذرائع .. فالجميع أصلهم بلطي، وأن التميز لا يأتي من اللون بل من العمل والجهد والعطاء ..
وللأسف .. كان العنصريون يرفضون أي وسيلة تدفعهم للتسليم بالحق والعدل ..
وها هي القبيلة وقد بثًّ فيها الفيضان روح الأمل ، فقامت تمرح وترقص وتغني ، حتى توقفت هذه الجلبة ، وانتاب القبيلة حيرة وقلقٌ ..
فالعيون تتساءل ..
- من هذه السمكة الحمراء المصابة بالوهن؟!
- من هذه التي تتساقط قشورها كأوراق الخريف؟!
- من هذه ذات الزعانف المتهالكة؟
- إنها أسيرة للتيارات المائية ، تحركها كيفما اتجهت.
- من تلك السمكة الحمراء الداخلة ميدان الحفل؟!
ما زالت التيارات المائية تلعب بها كورقة على صفحة الماء .. والكل يقلب صفحات ذاكرته ويدقق بعينيه لمعرفتها ..
ازداد رواد الحفل حيرة ودهشة ..
هل هي من القبيلة؟!
لا.
ـ هل هي من أقاربنا؟
ـ كلا.
ـ هل هي مغتربة؟
ـ إنها تحاول الدخول إلى ميدان الحفل دون قلق وريب كأنها صاحبة المكان.
خرج صوت ( دنيا ) معلناً وقف هذه التساؤلات..
ـ إنها ( أمل ) .. السمكة الحمراء (أمل) .. لقد عادت ()()()
(أمل) .. لقد عادت..
دخل الجميع مرة ثانية في قلق وحيرة.
ـ هذه السمكة الحمراء (أمل) !
ـ مستحيل .. غير معقول !
ـ (أمل) تعود بعد هذه الغيبة الطويلة!
ـ خرجت وصاحباتها لجلب الطعام للقبيلة لخزنه، ليستفيدوا منه أيام الجفاف ، فحاصرهم.. ، وانقطع طريق عودتهم إلينا ، و (أمل) تعود بمفردها!
ـ أين صاحباتها من السمك الأسود والأخضر؟!
ـ تم اصطيادها ، صرعها الجفاف ، لعل ثعباناً التهمها.
ـ كيف أفلتت (أمل) من الاصطياد والجفاف والثعابين؟!
ـ مستحيل أن تكون (أمل)!
ـ أين قشورها اللامعة؟!
ـ أين ذيلها القوي؟!
ـ أين زعانفها المتينة؟!
ـ أين .. ؟! أين .. ؟!
دار بخاطر الجميع موقف السمكة الحمراء (أمل) حينما تعلم بأن أخواتها من السمك الأحمر اصطدمت مع السمك الأسود والأخضر ؛ لأخذ الطعام منها دون وجه حق .
فتثور عليهم قائلة:
ـ الحياة تتسع للجميع .. الحياة تتسع للجميع .. عليكم بالكد والعمل مثلهما ، إن أصلنا بلطي، ما يميز سمكة عن أخرى ليس لونها بل قدرتها على العطاء لقبيلتها..
ولما تكررت تلك التصادمات .. فكرت أمل وفكرت في اقتلاعها ، وعندما اكتملت أفكارها ، دعت نخبة من العشائر الثلاث لعرضها عليهم ..
ـ علينا أن نكون مجلساً يمثل الجميع.. لتيسير شئون القبيلة.
ـ كيف؟
ـ من يرى في نفسه القدرة على خدمة قبيلته ونشر المحبة والتسامح بين عشائرها ، يعلن عن نفسه وعلى كل من في القبيلة المشاركة في اختيار عشرين منهم ، وعلى العشرين أن يختاروا من بينهم واحداً يرأس القبيلة وينظم شئونها بمشاركة أعضاء المجلس ..
اقتنعت النخبة بأفكار (أمل) ، وعليهم أن يقنعوا الجميع.. سُرَّ الجميع لهذه الأفكار إلا قليلاً ، بدأوا ينشرون الشائعات حول (أمل) ..
ـ إنها تريد أن تكون زعيمة.
ـ إنها تحب ذكراً من السمك الأخضر.
ـ إنها ... إنها ...
لم تفلح الشائعات في القضاء على أفكار أمل ، فالجميع يعرف عنها حبها للخير والتسامح والعطاء ، تجاربها الكثيرة أوصلتها إلى أن من يغرس فسائل الخير يجني الثمار الجميلة..
وما إن أشرفت القبيلة على تنفيذ تلك الأفكار ، حتى هدد القبيلة خطر الجفاف ، فاتفقوا على تحصين قبيلتهم من أخطاره ، بأن يذهب مجموعة منهم لإحضار الطعام لتخزينه والاستفادة منه طوال فترة الجفاف ، وكان على رأس هذه المجموعة (أمل) ، ولما جمعوا الطعام وأرادوا العودة لقبيلتهم حاصرهم الجفاف وضيق عليهم.
وها هو ..
الفيضان قد جاء بخيره وعادت أمل ولم يعودوا ..
الكل يريد أن يهنئ (أمل) على نجاتها وعودتها سالمة ، لكن صاحبتها (دنيا) طالبت الجميع بتركها تستريح.. مكثت السمكة الحمراء (أمل) في بنيتها ، لا تهتم بما يدور حولها ، حتى أتى اليوم الذي فزعت فيه من صوت صديقتها (دنيا) :
النجدة يا (أمل) .. النجدة يا (أمل) .. الخراب يطارد الجميع .. الخراب يطارد الجميع ..
خرجت (أمل) من بنيتها ثائرةً في الكل ، فالسمك الأحمر يصارع السمك الأسود والأخضر ويسقط الصرعى من الطرفين .. وعندما انتبهوا لثورة (أمل) كفوا عن صراعهم واستمعوا إليها ..
إنكم تسعون للخراب .. إنكم تسعون للخراب .. الحياة تتسع للجميع .. الحياة تتسع للجميع .
وبدأت (أمل) تحكي لهم ما حدث لها ولصاحباتها اللاتي لم يعدن معها حينما حاصرهم الجفاف ..
ـ جفت الترعة وانقطعنا عنكم ، سعى الجميع لعمل بنية عميقة وتخزين طعام بها ، واختاروني أمكث بها وحدي ، ويموتون هم . . و«تصمت برهة» ، «و تتمالك نفسها وتكمل» حتى إذا جاء الفيضان ، وعدت إليكم نكمل ما كنا بدأناه من اختيار مجلس يمثل القبيلة لنشر المحبة والتسامح والإخاء بين عشائرها ، فالحياة تتسع للجميع .. الحياة تتسع للجميع..
بدأت عشائر القبيلة في اختيار من يمثلهم في المجلس وما إن تم اختيار أعضاء المجلس، حتى اجتمع واختار بالإجماع (أمل) زعيمة للقبيلة ومن بعدها انتشر في ربوع القبيلة المحبة والتسامح والإخاء.