قصه الفراخ الثلاث
تنفَّسَ الصباح، يرشُّ الندى، ويرسلُ الضياء.
وداعبَتْ أناملُ النسيم، أغصانَ الشجرةِ الفارعة، فتمايلَتْ ناعمةُ ناضرة ..
وفتحتِ العصفورة عينيها، فبادرَتْها الشجرةُ قائلةً :
- صباح الخير يا صديقتي العصفورة!
- صباح الخير يا صديقتي الشجرة.!
- هل استيقظَ صغارك ؟
- لم يستيقظوا بعد
- هذا دأبهم كلَّ يوم.. يتأخّرون في النوم
- سأتركهم قليلاً، لأجلبَ لهم طعام الفطور
- إذهبي ولا تقلقي، إنَّهم في أحضاني.
ألقتِ العصفورةُ على فراخها، نظرةَ حبٍّ وحنان، ثم رفرفتْ بجناحيها، وطارتْ في الفضاء..
ظلَّ الفراخُ الثلاثةُ، في عشِّهم الدافئ، وعندماارتفعتِ الشمسُ، فركوا عيونهم، وأفاقوا من نومهم، فلم يجدوا أمَّهم ..
انتظروها طويلاً، ولكنَّها لم ترجعْ!
آلمهم الجوع، وأصابهم الجزع ..
قال أحدهم خائفاً :
- أرجوا أنْ تسلمَ أمُّنا من الصيادين
واضافَ آخر :
- ومن الطيور الجارحة ..
وقال الثالث :
- احفظها لنا يارب !
سمعتِ الشجرةُ حديثَ الفراخ، فأوجستْ منه خيفةً، غير أنَّها كتمَتْ مشاعرَها، وقالتْ مُواسيةً :
- لا تجزعوا ياصغاري، ستعودُ أُمّكم قريباً
- لقد تأخّرَتْ كثيراً!
- كَسْبُ الرزقِ ليس سهلاً .... غداً تكبرون وتعرفون
صمتَ الفراخُ الثلاثة، ونهضَ الفرخُ الأكبرُ، إلى حافَّةَ العشّ، ليرقبَ رجوعَ أُمَّهِ..
تدحرجَتْ حبّةُ قمحٍ كانت تحته ..
رآها أخوهُ الأصغر، فصاح مسروراً :
- هذه حبةُ قمح !
التفتَ الفرخُ الأكبرُ، وقال :
- إنَّها لي
- ليستْ لك
- لقد كانت تحتي
- أنا رأيتها قبلك
لن تأخذَها أبداً ..
اختلف الأخوانِ، وأخذا يتعاركان ..
ومكثَ أخوهما الأوسط، ينظرُ إليهما ويتفرَّج..
حاولت الشجرةُ إنهاءَ النزاع، فلم يستجبْ لها أحد.
قالتْ للفرخ الأوسط :
- لمَ لا تصلحُ بينَ أخويك؟
- لا أتدخَّلُ فيما لا يعنيني ..
- بل يعنيك !
- كيف؟
- أنتم إخوةٌ تعيشون في عشٍّ واحد..
-سأبقى بعيداً عن المتاعب
- لن ترتاحَ في عشٍّ يسودُهُ النِّزاع.
- لا أتدخّلُ فيما لايعنيني
- أوقفتِ الشجرةُ الحوار ، فالفرخُ عنيد، والكلامُ معه لا يفيد..
لم ينتهِ النزاعُ بينَ الفرخين ..
هذا ينقرُ بمنقاره، وذاك يخمشُ بأظافره..
تعبَ الفرخُ الأصغر.. رفع قشَّةً صلبةً، وضربَ أخاه الأكبر.. انتحى هذا جانباً.. أصابت القشةُ عين الفرخِ الأوسطِ، فبدأ يصرخُ متألّماً ..