بسم الله الرحمن الرحيم
أسماء بنت عبد الله أبي بكر الصديق، ذات النطاقين التيمية، زوج الزبير بن العوام، وأم عبد الله بن الزبير، وأخت عائشة الصديقة لأبيها، أمها قتيلة بنت عبد العزى، وُلدتْ قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، أسلمت اسماء قديماً بعد سبعة عشر نفساً، وهاجرت إلى المدينة وهي حامل، فولدت عبد الله بقباء، ويقال لأمها صحبة، سُميت اسماء ذات النطاقين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز مهاجراً ومعه أبو بكر الصديق أتاهما عبد الله بن أبي بكر بسفرتهما، ولم يكن لها أشناق، فشقت لها اسماء نطاقها، فشنقتها به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة، فقيل ذات النطاقين.
قالت أسماء: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يابنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة خر منها قرطي، ثم انصرفوا.
قالت أسماء: لما خرج أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حمل أبو بكر ماله كله معه، فأتانا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إن هذا والله فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبه قد ترك لنا خيراً كثيراً، وعمدت إلى حجارة فجعلتها في كوة في البيت، وغطيتها بثوب، ثم وضعت يده على الثوب، فقال: أما إذ ترك لكم هذا فنعم. ولا والله ما ترك لنا قليلاً ولا كثيراً.
وعن اسماء قالت: تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي الماء، وأعجن، ولي جارات من الأنصار يخبزن لي، وأنقل النوى من أرض الزبير على رأسي على ثلثي فرسخ. حتى أرسل لي أبو بكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. شهدت اسماء اليرموك مع زوجها الزبير.
وكانت اسماء فيما بعد إذا مرضت أعتقت كل مملوك لها. ولما قتل الحجاج ابنها عبد الله بن الزبير دخل عليها، وقال: إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، ومالي من حاجة.
ثم دخلت مكة بعد ثلاثة أيام من قتل ابنها، وهو مصلوب، فجاءت وقد كف بصرها، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل، فقال الحجاج: المنافق، فقالت والله ما كان منافقاً، وإن كان لصواماً، قواماً براً، فقال: انصرفي ياعجوز، فإنك قد خرفت، قالت لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت. ثم أتي بجثة عبد الله إليها، فجعلت تحنطه بيدها، وتكفنه، وصلت عليه، فما أتت عليها جمعة أو ثلاثة أيام حتى ماتت رضي الله عنها. عاشت مائة سنة، وماتت بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بليال، سنة ثلاث وسبعين. وهي آخر من مات من المهاجرين والمهاجرات، لها في الصحيحين اثنان وعشرون حديثاً، وفي سندها ثمانية وخمسون حديثاً.