قال تعالى:"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعرَضَ عَنها وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُۚ"[الكهف: 57]، فكما يحصي التاجر الدينار والدرهم، وكما يحسب الطالب درجات النجاح والرسوب، فإن المتسابق معنا يحصي سيئاته ويحذر عاقبتها.
خذ سفيان الثوري مثلاً حيث يخبرنا بأسى ومرارة: «حُرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته» 1. فالشهور لا تنسيه ذنبه، وإنما هو نصب عينيه.
وهذا التابعي محمد بن سيرين أصابه دين فحاسب نفسه محاسبة الأبرار لا محاسبة التجار فقال: «والله ما وقع هذا إلا بذنب أذنبته منذ أربعين سنة قلت لرجل: يا مفلس، ثم قال: فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى» 2.
وهذا أحمد بن أبي الحواري- ريحانة الشام- يشكو لأبي سليمان الداراني فيقول: لم أوتر البارحة، ولم أُصلِّ ركعتي الفجر، ولم أُصلِّ الفجر في جماعة!! فقال له: «لما قدمت، والله ليس بظلام للعبيد... شهوة أصبتها» 3.
قال ابن الصافي البقَّال بدينور: كان بدينور سجَّان قال لي: «إني بقيت على باب السجن نيفًا وثلاثين عامًا فما من أحد حُمِل إلى السجن من الذين أخذهم الحرس بالليل إلا سألته فقلت له: هل صليت العشاء الآخرة في جماعة إلا قال: لا. "وَمَآ أَصَـٰبكم مِّن مُّصِيبَةٍ۬ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيدِيكُمۡ "[الشورى: 30] 4.
ويفسِّر النبي هذه الآية فيقول: «ما اختلج (اضطرب وارتعد)عِرْق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله أكثر» 5.
وحلَّل شيخ الإسلام ابن تيمية عملية ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في ضوء الحديث السابق، فخرج من ذلك بنتيجتين مهمتين، ثم أهداهما لنا فقال:
النتيجة الأولى: «العباد آلة؛ فانظر إلى الذي سلَّطهم عليك، ولا تنظر إلى فعلهم بك، لتستريح من الهمِّ والغمِّ» 6.
النتيجة الثانية: «إذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه، ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حقيقية» 7.
([1]) مختصر منهاج القاصدين ص (85)- ابن قدامة المقدسي- ط دار الفيحاء ودار عمار. ([2]) صفة الصفوة (3/ 246)- ابن الجوزي- ط دار الفكر. ([3]) حلية الأولياء (10/ 6). ([4]) قوت القلوب ص (85)- أبو طالب المكي- ط مطبعة مصطفى البابي الحلبي. ([5]) رواه الطبراني في الأوسط والضياء عن البراء كما في ص ج ص رقم (5397). ([6]) قاعدة في الصبر ص (37). ([7]) المصدر السابق ص (37).