الفصل الثامن
حمى قاتلة
مَرت تلك الساعات ، و ذهبت ميغن للمدرسة بغضبٍ عارم ، رآها كايل و مارك بوجهٍ متجهمٍ
جداً ؛ و عند استراحة الغداء ، جاءا إليها ، و سألاها عن سبب تجهم وجهها ،فأجابتها بانزعاج :
- أرجوكما لا تسألاني !!
و بالفعل ، صمت كايل احتراماً لرغبتها ، بينما أصرَّ مارك على أن تخبره بالسبب
، حتى قالت له غاضبة :
- منذ أن تجادلت مع كلوديا أمام الفتيات في الميتم ، و أحرجتها ، كما أظن! و كل فتاةٍ
تطلب مني الانضمام لجماعتها !!
- و ماذا قلتِ لها بالضبط ؟!!
و مَرت بضع دقائق حكت فيها ميغن ما حدث لها مع كلوديا الليلة الماضية لمارك
، ثم قال لها متذاكياً :
- أيتها الصهباء(1) الغبية ، قلتي لها كلاماً يدل على القوة ، و إذا انضممتِ لأي جماعة
ستكونين نقطة قوة لها !!
أخذت ثوانٍ معدودات تفكر في كلامه ، ثم قالت مؤيدة له لأول مرة :
- أنت محق !!
ثم أردفت :
- تعرف .. لا يبدو عليك الذكاء أبداً ، إضافة إلى أنني لست غبية يا ذا الطول
الفارع(2) !
- طولي ليس فارعاً ، طولي 187سم فقط !!
نظرت إلى كايل طالبة منه المساعدة ، و لكنه خَيّب أملها بقوله - بعد أن فهم
مقصدها - :
- لا تنظرِ إليّ ، إنه لا يستمع إلى كلامي أبداً !
مَرَّت باقي ساعات اليوم على خير نسبيّاً ، حتى أصبح اليوم التالي على العالم ، و ككل يوم كان من
المفترض أن تلتقي ميغن بكايل و مارك ، عند استراحة الغداء ، كعادتهم ، لكن ذلك لَمْ يحدث .
عندما حانت استراحة الغداء ، جلس كايل و مارك مقابلاً له ، و انتظرا ميغن ، لكنها لَمْ تأتي ، و لكنَّ
الذي فتح أبواب القلق و الشك في نفس كايل ، لَمْ يِكُن ذلك ؛ بل أنه لَم يرها طوال اليوم من بدايته .
في اليوم التالي تكرر الأمر ، فعندما بحث كايل عن ميغن لَم يجدها ، و عندما سأل عنها البعض ، أجابوه
بالنفي ، ما جعل أمله يخيب .
دخل اليوم الثالث ، و لا تزال ميغن مختفية ، لَم تأتي المدرسة بعد ، إلى أن جاءت استراحة
غداء ذلك اليوم .
كان كايل يجلس على طاولته المعتادة ، يُقلّب حبات البازلاء التي في صحنه بشوكته ، دون أن يسحق أحدها
داخل فمه ، فقد كان يفكر فيها طوال الوقت ، لَم يِكُن يعرف لماذا ، و لا السبب لذي يجعله يفكر في ميغن
لهذه الدرجة ، هو حتى لَم يسأل نفسه لماذا يفكر فيها ! لكنه فقط يفكر ، و يشغل تفكيره بها .
لَم يَمر الكثير من الوقت حتى جاء مارك و معه صينية طعامه ، و عندما لاحظ شرود كايل ، قام مناداته ،
ولحُسن الحظ أنه استجاب بسرعة ، ثم بادر بسؤاله عن سبب شروده ، و أجابه كايل قائلاً بنبرة الهَمِّ الطاغي :
- لا أعرف ! أنا أفكر في ميغن طوال الوقت ، أنا قلق عليها ! و لا تسألني عن السبب ، لأنني لا أعرف !!
اتسعت عيناه ، فُتح فاه جُزئياً ، حتى أنَّ شوكته هو الآخر سقطت من يده ، لَم يُصدق نفسه ، تعجّب كايل من
ردة فعل مارك على كلامه ، و سأله هذا عن السبب ، فرَدَّ عليه مارك متحمساً ، و منفعلاً :
- يا رَجل ! أنا أعرف ماذا يعن هذا !!
- و ماذا يعني ؟؟ سأل كايل بعدم اهتمام نوعاً ما
- يا رَجل ، هذا يعني أنكَ معجبٌ بها ! أنت معجبٌ بميغن ! أنت تحب ميغن !!
أخذ كايل بضع ثوانٍ صاتاً فيها ، استوعب فيها كلام مارك ، ثم قال مُعارضاً :
- بالطبع لا ! أنا لست معجباً بها ! لِمَ قد أُعجب بها ؟!!
- آوه هيا ! لا تنكر ، هذا ما تقوله عيناك !
- لا !!
- بلى !
- لا !! و لا تعني لا ! أقول لا تعني لا ! و أنا أقول لا !
- و أنا أقول بلى ، تعني بلى ، هيا أيها العاشق ، لا تُخفي حُبك ! من يدري ، ربما يوماً
ما قد تتزوجان !!
أخذ نفساً عميقاً ، و صمت من بعده ، فقد عَرَفَ أنه لن يستطيع مجاراة مارك ، و عندما فهم هذا الآخر
فعِل صديقه ، قال له بسعادة بسيطة :
- حسناً ، ما رأيك أن نذهب لزيارتها في الميتم ؟! اليوم ! بعد المدرسة !!
بدأ يجول بعينيه هنا و هناك يفكر الأمر و كيف سيكون ، حتى قال و هو يومئ رأسه :
- حسناً ، موافق ! .. نعم ..!
حَلَّ الصمت بينهما قليلاً ، ثم سأل مارك كايل مُحتاراً :
- مما أنت قلق ؟؟
- من أن يكون قد تبناها أحد !
رأى مارك أن سبب قلق كايل مقنع جداً ، فصمت حتى لا يؤثر عليه أكثر
***
كانا واقفان أمام بوابة حديقة ميتم سايكوتس للفتيات ، أخذا كُلٌّ منهما نفساً عميقاً ، ثم دخلا
أملان أن يَرَيَا ميغن في الداخل .
عندما دخلا الحديقة ، و خاصةً كايل ، عندما رأى لون الجدار الخارجي و لون الباب ، أخذ انطباعه
الأوّل عن الميتم – مثل مارك – غير أن مارك ظَنَّ أنَّ المدير مُختلّ عقلياً .
تقدما ، ثم وضع مارك يده على مقبض الباب و أنزله ، ثم دفع الباب ، و هنا كانت المفاجأة لهما ؛ كان
المكان مُختلفاً تماماً عَمّا ظناه ، فلقد اعتقدا أنَّ المكان سيكون قبيحاً و فوضوياً و متسخاً ، حتى أن مارك
سأل إن كانا في المكان الصحيح تعجباً ، بينما قال كايل متعجباً كذلك :
- ظننت لِوَهلَةٍ أني في منزلي !!
- أنت مُحق !!
لكن ليس هذا ما حدث فقط ، بل ردة فعل الفتيات اللواتي كُنَّ في الصالة هي ما حدث أيضاً ، فهناك من
تجاهلتهما ، و أخرى ذهبت خجلاً ، و أخرى أشارت لهما بيدها ، و أخرى قامت بالغمز لهما ، و غيرها
من الذي حدث للفتيات عندما رَأيِنَ الشابان .
تقدمت امرأة في منتصف العقد الرابع من عمرها ، بدت عليها الرزانة و الفِطنة ، توقفت المرأة أمامهما ،
و رحبت بهما ، ثم قالت :
- هل أستطيع مساعدتكما ؟
أجابها كايل بالإيجاب ، ثم أخبرها مارك أنهما يريدان رؤية المدير ، و حدث ذلك الفعل ، حيث أخذتهما إلى
مكتب المدير ، الذي هو السيد سايكويتز . و عندما سألهما المدير كيف يستطيع مساعدتهما – بعد أن خرجت
المرأة التي استقبلتهما ، و التي لَم تكن غير مساعدته – ، سأله كايل عن ميغن فأخبرهما أنها مريضة ، و يمكنهما رؤيتها .
شَعَرَ كايل بالاطمئنان قليلاً بعد أن عرف أمر ميغن ، بينما شعر مارك بالراحة ، و لكن ذلك
لَم يدُم طويلاً .
عندما رَأيَا حال ميغن المتعبة ، أشفقا عليها ، و شَعَرَا بالقلق عليها ، بينما خاف مارك جداً عليها ، فقد كانت
عيناها مُحمرّة كما أنفها ، و تتنفس بصعوبة ، و هذا ما جَعَلَ مارك يتأكد أنَّ هذه حُمى أصابتها ، بالإضافة إلى الزُكام .
كان السيّد سايكويتز قريباً جداً في الغرفة عندهما ، و لذلك قام بسؤاله عما قاله له الطبيب ، فأجاب مدير الميتم غير مهتم :
- أنا لَم أُحضر لها طبيباً !
صُدم مارك مما سَمَع ، و من حقه أن يُصدم ، لأنه كف يمكن لرجلٍ كبيرٍ و واعٍ أن يَترك فتاةً تحت وصايته ،
و هي مريضة جداً ، دُونَ طبيب ! هذا غير منطقي .
- كيف تفعل هذا ؟! هل أنت مجنون ؟! كيف تفعل هذا ؟! فتاةٌ مريضة هكذا !! تتركها بدون إحضار طبيب ؟!
هل أنت مَخبُولٌ أم مُختلٌ عقلياً يا رَجل ؟!!
هذا ما صرخ به مارك في وجه المدير بكل غضب و إنزعاج ، و عندما قال المدير لكايل أن يُهدئ صديقه ،
قال له كايل غاضباً – لكن ليس بحدة غضب مارك - :
- أنا لن أُهدأه ، إنه مُحق ! فتاةٌ تحت وصايتك تتركها هكذا ؟!! يا رَجل !!
و مع كُلَّ هذا ، لَمْ يستطع المدير الرّدَّ على كلامهما ، فقد كان كُلُّه صحيحاً ، و لكن مارك لَم ينتظر أكثر
فاتصل بأبيه ، الذي يعمل طبيباً في مستشفى المدينة ، و أخبره ، و جاء والده ، ثم قام بفحص ميغن ، و
كتب لها الدواء المناسب .
بعد خروج والد مارك من الميتم بقليل ، رَنَّ هاتفه ، و عندما أجاب على المكالمة وَجَدَ أنه اتصال من مستشفى
المدينة نفسها ، لكنَّ هاتفه سقط من يده مصدوماً ، بعد مدة وجيزة قضاها في الاستماع إلى كلام الطرف
الآخر ، على الجهة الأخرى من الهاتف .
تعجب كايل من الذي حدث لمارك ، و قال له سائلاً :
- ما الذي حدث ؟
- المستشفى ... أمي ... توفيّت !!
ثم أخذ هاتفه و ذهب يركض إلى المستشفى ، بينما أكد كايل على المدير أن يشتري الدواء لميغن
و إلا أفقده عمله .
______________________________________
(1) الصهباء : أي ذات شعرٍ أحمر .
(2) فارع الطويل : أي طويلٌ جداً
______________________________________
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته تعالى و رضاه
و ها أنا ذا أعود بالفصل الثامن و اتمنى أن يعجبكم
و لديَّ أسئلة و أتمنى حقاً أن تقوموا بالإجابة عليها
1- هل حقاً كايل معجب بميغن كماقال مارك ؟
2- لماذا غضب مارك على المدير بسبب حال ميغن لهذه الدرجة ؟
3- هل أتابع ؟
و دمتم في حفظ الرحمن تعالى و رعايته