- ( رودريكو ) فلاح يسكن في بلاد بعيدة, يعيش وحيدا من غير
اسرة, و لا يملك الا كوخه الصغير الذي بناه على شاطئ الأمازون,يعمل في حقل
صغير اعتاد على زراعته بطيخا اصفرا,يأكل منه و يشتري حاجياته من ثمن بيع ثماره طول
السنة.
في صباح ذات صيف و قد حان موعد جني البطيخ,ذهب (رودريكو) ليجمع الثمار و يأخذها
الى السوق لبيعها................
فاذا به يكتشف أن احدا قد أخذ ثماره الناضجة !!! و لم يبق له أي بطيخة ناضجة
ليبيعها و يستفيد من ثمنها.
و بعد تفكير و بحث عن من يكون قد فعل به هذا ,قرر (رودريكو) أن يحرس حقله ليلا
و نهارا خفية ليمسك السارق متلبسا بالجريمة.
و في ليلة من الليالي المقمرة , رأي (رودريكو) شابة جميلة المنظر و الهيئة ,
شعرها ازرق مخضر ينساب طويلا على كتفيها , لونه كأعماق نهر الأمازون , تأخذ
ثماره.
قال (رودريكو) في نفسه = (كأنها حورية خرجت من النهر ). فرك عينيه غير مصدقا
ما يراه و تساءل = (أمن الممكن ان تكون هذه الجميلة سارقة؟!).
اتجه نحوها و هو غاضب و مستغرب في نفس الوقت,فأمسكها و البطيخ في يديها
ثم قال = (أنت لص الحقل اذن!!)
فنظرت اليه الجميلة و هي ترتعش خوفا و لا تدري ما تقول , فبادرها قائلا = (سأعفو
عنك لكن بشرط) فقالت = (ماهو؟) قال = (أن تقبلي الزواج بي,فأنا أعيش في هذا الحقل
و الكوخ وحيدا,لا أهل لي و لا أصدقاء).
قالت الشابة = (أنا موافقة لكن على شرط) فقال = (ماهو؟) قالت = (ألا تذكر سكان
هذا النهر بسوء....) قال (رودريكو) = (أنا لا أعرفهم فكيف أذكرهم بسوء؟!) و انطلق
الشابان الى المدينة ليتزوجا,و عند عودتهما وجدا الحقل و الكوخ قد انقلبا الى بيت جميل
تحيط به الحقول الخضراء الجميلة و المزروعة من كل جهة !!!!!
و مجموعات من الطيور و الدواجن , و الماشية و الأغنام , و عدد من العمال يقومون بالزراعة
و رعي الأغنام, و تربية الدواجن و خدمة البيت و اهله.
و ما ان رأى (رودريكو) هذا المنظر عقدت الدهشة لسانه ثم تساءل= (أين كوخي
و حقلي الصغير؟ ما هذا؟ كيف حدث كل هذا؟) و مع مرور الوقت و الأيام تعود على
العيش في بيته الجميل , و على حياة الغنى و الثراء.
و بدأ يظهر عليه الخمول و الكسل بعد أن كان مضرب المثل في الجد و النشاط.
انتقل (رودريكو) من حياة العمل و الفلاحة الى مراقبة العمال و الاشراف عليهم,و مع مرور
الأيام لم يعد له دور الا الصراخ و اثارة الصخب, و الشتم و عدم الرضا عن أي عمل.
تضايقت زوجته من تصرفاته و سوء معاملته للعمال,و أصبحت تقضي الأوقات الطويلة
تنظر الى صفحة ماء الأمازون بحزن عميق و أسف شديد,فأهملت شؤون البيت و حتى
في الحقول قلت العناية بالمواشي و الدواجن,كما تناقص الاهتمام بزراعة الأرض و العناية
بثمارها.
استمر (رودريكو) في سوء أفعاله و قبيح أعماله , اذ تزايد صراخه و كثرت شتائمه.
و ذات مساء و قد توقف العمال عن العمل,بدأ (رودريكو) كعادته يصرخ قائلا = (قوموا
أيها الكسالى,قوموا الى العمل أيها الحمقى, انكم تأكلون و تشربون من بيتي دون فائدة,
فما تقومون به من عمل لا يساوي قوت يومكم أيها الكسالى,لقد كنت احمقا يوم
تزوجت امرأة خرجت من النهر,,,,فكل ما في النهر سيئ و كل ما يخرج من النهر لا
يساوي شيئا!!) سمعت زوجته ما قال و لم ترد على اساءته لها و لسكان نهر الأمازون
بل قامت من مكانها تمشي بهدوء صوب النهر و كانت تمشي و هي تغني بصوت
عذب رقيق......لكنه حزين يهز الاشجان و يمزق القلوب,و تجمع العمال و الخدم و الرعاة و الفلاحون و ساروا خلفها,و تبعتهم الطيور و المواشي و الأغنام و الدواجن, وقفت الزوجة على
شاطئ النهر و مر العمال و الخدم و الفلاحون و جميع حيوانات المزرعة أمامها
يتبع بعضهم كالجند المتصافين.
و ماهي الا لحظات حتى اختفوا جميعا في النهر على مرأى من زوجة (رودريكو)
الذي أبكمه المنظر الذي رآه , و تذكر الشرط الذي وافق عليه قبل أن يتزوج بالشابة الجميلة.
و حينها ادرك أنها حورية النهر و سيدته.
أما حورية النهر فقد واصلت غناءها العذب الحزين ,و (رودريكو) ينادي عليها و على أهل
المزرعة قائلا = (عووودوووا ,,,ابقووا.,,, ارجعوا و سأكون لطيفا معكم) لكن كل كلامه
لم يغير من الأمر شيئا !! و فجأة تحرك البيت الجميل و تزعزع من مكانه ثم اختفى في النهر.....
كما اختفى قبله العمال و الفلاحون و الرعاة , و كما اختفى كل ما كان يملكه (رودريكو)
من حيوانات و مواشي. و استمرت حورية النهر في الغناء بعد اختفاء البيت,و اتجهت تمشي
بخطوات بطيئة نحو النهر و (رودريكو) ينظر اليها بحسرة و أسف , و بدأت تختفي في النهر
تدريجيا !! ....................
حتى لم يعد يرى منها شيئا و اختفى صوتها العذب الحزين,كما اختفت الحياة الجميلة التي
كانت تحيط ب (رودريكو).فنظر (رودريكو) حوله فاذا به يجد نفسه وسط الحقل الصغير
الذي كان يملكه و قد زرع بطيخا أصفر و على حافته كوخ صغير,وجد نفسه وحيدا لا
أحد يؤنسه و يبعد عنه شبح الوحدة.
ندم (رودريكو) ندما شديدا على ضياع زوجته و بيته,و على تفريطه في سعادته بسوء
تصرفه و على ذهاب ثروته,لكن بعد فوات الأوان حيث لا ينفع الندم و لا يغني الأسف
و هذا حآل من يكفر بالنعمة و لا يحافظ عليها.
....................................................................
انهيييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييت