رسالة إلى كل .. ظالم ..غافل .. ناسي ..."َاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ"
كم من صديق شيعناه ،وكم من عزيز في قبره وضعناه ، وكم من حبيب في الثري واريناه ، هل من عين تدمع ؟ هل من قلب يخشع ؟ هل من احد إلى ربه يرجع ؟ تري الإنسان أمامك وجها مشرقا ، لسانا ناطقا ، قلبا نابضا ، إرادة قوية ،همة عالية ، ثم في لحظات ، بل في ومضات ،تجد هذا الوجه المشرق قد ذبل،وهذا اللسان الناطق قد سكت ، وهذا القلب النابض قد توقف ،وهذه الإرادة القوية قد تلاشت ، وهذه الهمة العالية قد تهاوت ، ماذا حدث ؟ ماذا جري؟ ، سؤال حار فيه العلماء ، وسكت عنه الأنبياء ، ورد عليه رب الأرض والسماء" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً " (الإسراء85) ، كم رحل من الأبناء والأحفاد ، كم ذهب من الأباء والأجداد ، هل غابت الشمس ؟ هل توقف القمر؟ هل أمسكت السماء ؟ هل أجدبت الأرض ؟ كلا !! وإنما الزمن يدور والحياة تسير ، وكلما دار الزمن دورته ، إنما تتمخض عن صباح يوم جديد ، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادي (بن ادم أنا خلق جديد وعلي عملك شهيد فاغتنمي فاني لا أعود الي يوم القيامة ) ماذا قدمنا في هذا اليوم لذاك اليوم ؟..!! هل زرعنا لنحصد ما زرعناه ؟ هل غرسنا لنجني ما غرسناه ؟ أم فرطنا واضعنا ..أم غفلنا واعرضنا ...!! اليوم العمل وغدا الحساب .. اليوم الزرع وغدا الحصاد ..اليوم الغرس وغدا جني ما غرسناه .
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ندمت علي التفريط في زمن البذر
ثم ما نوع الغرس الذي غرسناه ؟ هل صالح فلنا أم طالح فعلينا ؟!! نحن نري يوميا ثمار مرة لغرس غرسناه بأيدينا –إلا ما رحم ربي وعصم- قتل للأبرياء ، وتغييب للشرفاء ، وتهميش للعلماء ،وإبعاد لشريعة السماء ،موالاة الأعداء ،ومعاداة الأبناء والأصدقاء ، حقوق مهضومة وحدود معدومة ، إتاوات معلومة ورعية محرومة ، حريات مسلوبة وإرادات منهوبة ، تزييف للحق ،وتزيين للباطل ، كل هذا لماذا ؟ !! لأننا لم نخش،الله ولم نرجو لقاه ، ولم نستعد ليوم أن نلقاه" إن الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " (يونس 7-8 ) ، يوم تشيب له الولدان ، وتقشعر له الأبدان ،توجف له القلوب ،وتخشع له الأبصار ،يوم تذهل منه المراضع ، وتضع منه ذوات الأحمال ، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "(الحج1-2) وإلا:
· لماذا الإطعام ؟..!! "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً *
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً " (لإنسان9-10)
· لماذا الوفاء..!!؟ "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً "(الإنسان7)
· لماذا الذكر والصلاة والزكاة وغيرها ؟..!!"رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ " (النور37) فضلا عن الأجر والثواب والرغبة في الجنة إلا أن الدافع الأساسي وراء هذه الأعمال الصالحة هو الخوف من الله ومن الوقوف بين يديه يوم القيامة.
· لماذا الطاعة و عدم العصيان؟ :" قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"
(الأنعام15 )
· لماذا عدم التجرؤ علي القتل ؟:" لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِين؟ " (لمائدة28 )
· لماذا عدم نقص المكيال أو الميزان؟: " وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ " (هود84،) .
فضلا عن الأجر والثواب والرغبة في الجنة إلا أن الدافع الأساسي وراء هذه الأعمال الصالحة هو الخوف من الله ومن الوقوف بين يديه يوم القيامة.
وعلى النقيض تماما ...القاتل يقتل ، والسارق يسرق ،والظالم يظلم ، والباغي يبغي ، والطاغي يطغي ،والمزور يزور ،والمنافق ينافق وهو يعلم ، والمخادع يخادع وهو يعرف ، والغشاش يغش وهو يدري ، لماذا ؟ نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لم يعرفوا لهم ربا..وبالتالي لم يحفظوا له حدا ولم يقيموا له فرضا ولم يصونوا له حقا ،لم يخافوا الله فانتفي عندهم الإيمان وهم يرتكبون هذه الجرائم حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الصحيح (لا يسرق السارق وهو مؤمن ولا يزني الزاني وهو مؤمن الإيمان أكرم على الله من ذلك) مختصر البزار، في الترغيب والترهيب.
"وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " (لبقرة281): آخر ما نزل من القران ، أخرجه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما ، يقول صاحب الظلال رحمه الله : (ثم يجيء التعقيب العميق الإيحاء، الذي ترتجف منه النفس المؤمنة، وتتمني لو تنزل عن الدين كله، ثم تمضي ناجية من الله يوم الحساب ،" واتقوا يوما ترجعون فيه الي الله .." اليوم الذي يرجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت يوم عسير ، له في القلب المؤمن وقع، ومشهده حاضر في ضمير المؤمن ، وله في ضمير المؤمن هول، والوقوف بين يدي الله في هذا اليوم حاضر يزلزل الكيان !! ... انه التصفية الكبرى للماضي جميعه بكل ما فيه، والقضاء الأخير في الماضي بين كل ما فيه ، فما أجدر القلب المؤمن أن يخشاه وان يتوقاه..
إن التقوى هي الحارس القابع في أعماق الضمير ،يقيمه الإسلام هناك لا يملك القلب فرارا منه لأنه في الأعماق هناك !!
انه الإسلام..النظام القوي..الحلم الندي الممثل في واقع ارضي ..رحمة الله بالبشر وتكريم الله للإنسان، والخير الذي تشرد عنه البشرية، ويصدها عنه أعداء الله وأعداء الإنسان) .
انه يوم :
· الحساب والجمع و الأشهاد: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ " (هود103 )
· الداعي له هو الله : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ "(لروم25 )
· والجامع له هو الله : " رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " (آل عمران9 )
· والقاضي فيه هو الله :" وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ "(الأنبياء47 ).
يوم تنادي الأم علي ولدها يا ولدي ..يا فلذة كبدي ..كان بطني لك وعاء ، وكان ثدي لك سقاء ، وكان حجري لك غطاء فهل من حسنه أثقل بها ميزاني اليوم فيرد لا يا أماه إني في حاجة إليها ..!!
يقول الوالد لوله وفلذة كبده يا ولدي ..يا فلذة كبدي .. كم تعبت في تربيتك ، كم سهرت من أجلك ،كم عانيت في تعليمك ..هل من حسنة أثقل بها ميزاني فيرد لا يا أبتاه إني في حاجة إليها اليوم وصدق الله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ " (لقمان33 ) .
• يوم الفرار ، الكل يهرب من الكل " يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (عبس 34-37 ) .
• يوم تتلون فيه الوجوه وتتغير " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ* وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ" (عبس38-43 )
• يوم لا يقبل فيه الفداء حتى لو كانت الأرض جميعا "يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ* وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ"( المعارج 11-14)هل يجدي ذلك ؟!! وهل يقبل ذلك :!! ؟ " كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى* تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى* وَجَمَعَ فَأَوْعَى" (المعارج 15-18 ) .
• يوم لا ينفع فيه المال أو الولد أو السلطان أو الجاه ،ليس إلا القلب السليم " يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَِ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " (الشعراء88-89 )
• يوم يعض الظالم علي يديه من الندم والتفريط في زمن البذر :" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً " (الفرقان 27-29 ).
• يوم يتحول الإخلاء إلى أعداء إلا المتقين :"الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " (الزخرف67 ) .
• يوم العرض الأكبر ليس فيه جيوب ولا نتوءات للإخفاء أو التعمية أو التزوير كما كان يحدث في الدنيا " يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ " (الحاقة18 ).
في الأثر :عندما يموت كل شيء ، لم يبقى إلا ملك الموت ،( فيقول الله له: مت يا ملك الموت ) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، لتذوقن من الموت ما ذاق عبادي ، يبكي ملك الموت ويقول اللهم هون علي سكرات الموت ، ثم ينظر الله الي الدنيا وقد نسفت جبالها ،وغارت نجومها ، وكسفت سماؤها ،وسعرت بحارها ، فيقال لها يا دنيا أين أنهارك ؟ أين أشجارك ؟ أين عمارك ؟ أين سكانك ؟ أين الملوك وأبناء الملوك ؟أين الجبابرة وأبناء الجبابرة ؟ أين الذين أحبوا الخلق ونسوا الخالق ؟ أين الذين أحبوا الدنيا ونسوا الآخرة ؟ أين الذين أحبو القصور ونسوا القبور ؟ أين الذين أحبوا المال ونسوا الحساب ، أين الذين عاشوا في رزقي وتقلبوا في نعمي وعبدوا غيري-(قال الله تعالى إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري) ضعيف الألباني- لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ لا احد يجيب ... الشمس تدنو من الرؤوس ،والعرق يلجم الناس إلجاما ،والزحام يذيب الناس ذوبانا ،الخلق جميعا تحت أطباق التراب ، فمنهم صريع علي خده ، ومنهم طريح علي جنبه ، ومنهم هائم علي وجهه ، ومنهم من أصبح ترابا تذروه الرياح ، لمن الملك اليوم ؟ لا احد يرد ..فيرد الله علي ذاته العلية ..الملك اليوم لله الواحد القهار "الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " (غافر17)