كان في قديم الزمان، أميرةٌ شريرة، قبيحةُ المنْظر، خبيثة المَخْبر، تكرهُ الناسَ وتنهرهم، وتسخر منهم وتحقرهم، فكرهها كلُّ مَنْ عرفها، وخافها خدمها وحشمها، بسبب عجرفتها، وسوء خلقها.. وكان لها أعوانٌ وعيون، يخالطون الناسَ متنكّرين، ثم يرجعون إليها، بأخبارهم وأسرارهم، وحينما تسمع ما يتناقلونه عنها، يلتهبُ قلبها حقداً، ويتطاير غيظها شرراً، فلا يجرؤ أحدٌ، على الاقتراب منها، أو النظر إلى وجهها.. وفي إحدى الأمسيات، كانت جالسة، في شرفة قصرها، ومرآتها في حجرها، فنادَتْ وصيفاتها، فهرعْنَ إليها مذعوراتٍ، ومثلْنَ بين يديها مطرقات، ينتظرْنَ عقاباً أو توبيخاً. شرعَتِ الأميرةُ المغرورة، ترنو إليهن بازدراء، ثم شمختْ بأنفها، وقالت: -أصحيحٌ ما يقوله عنّي الناس؟ -ماذا يقولون؟ -يقولون: أنف الأميرة كبير، لكثرةِ ما تشمخ به! -الأنف الكبير، لا يعيبُ صاحبه. غضبَتِ الأميرةُ، ورفعَتْ سوطها، تلوِّحُ به مهدِّدةً. وتقول: -أتوافقْنَ الناسَ، على ما يقولون؟! رمقَتِ الوصيفاتُ السوطَ. وقلْنَ في نفوسهن: -حسِّني أخلاقكِ، وليكنْ شكلكِ ما يكون. قالت الأميرة حانقة: -ما لكنَّ ساكتات؟! -أنفكِ صغيرٌ يا سيّدتي! -لا تكذبْنَ! -اسألي المرآة، فهي لا تكذب. تناولَتِ الأميرةُ المرآة، وشرعَتْ تحملقُ إلى أنفها، فقالت لها المرآة: -أنفكِ كبيرٌ، لكثرة ما تشخمين به. اغتاظتِ الأميرةُ، وأظلمَ وجهها، فقلبَتِ المرآة، وصمتَتْ واجمة، ثم رفعَتْ رأسها، وقالت: -ويزعم الناسُ أنّ لساني سليط، وطويل كالسوط! -إنهم يكذبون! -وكيف أعرف الحقيقة؟ - اسألي المرآة، تعرفي الحقيقة. رفعتِ الأميرة مرآتها، وقرّبَتْها من وجهها، ثم دلعَتْ لسانها، وجعلَتْ تنظر إليه.. قالت لها المرآة: -لسانكِ سليط، وطويل كالسوط. أرجعتِ الأميرةُ لسانها، وقالت وهي تتميَّزُ غيظاً: -ويزعم الناسُ أنني شبْتُ وكبرت! -ما زلتِ صبيّةً يا سيّدتي! -قلْنَ الحقيقة، ولا تخفْنَ -المرآة تقول لكِ الحقيقة. رفعتِ الأميرةُ المرآة، وصارت تتأمَّلُ وجهها وشعرها.. لم تخفِ المرآةُ منها، بل قالت لها: -وجهكِ أعجف، وشعركِ أشيب. غضبتِ الأميرةُ على المرآة، وضربَتْ بها الأرض، فتكسّرتْ وتبعثرَتْ.. وقامتِ الأميرةُ مسرعة، ودخلَتْ قصرها، وهي تصرخ: -المرآة كاذبة، المرآة كاذبة! انحنَتْ إحدى الوصيفات، وأخذتْ تجمع أشلاءَ المرآة، وحينما فرغَتْ من جمعها، نظرَتْ إليها محزونه، وقالت: -لقد ماتتِ المرآةُ، ولم تقلْ إلاّ الحقيقة! |