ثم هذه مجموعة أخرى من أشراط الساعة الصغرى، استكمالاً لما سبق.
ظهور الكاسيات العاريات: والمراد بهذا خروج النساء عن الآداب الشرعية، وذلك بلبس الثياب التي لا تستر عوراتهن، وإظهارهن للزينة وما يجب عليهن ستره، من أبدانهن. روى الإمام أحمد بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون في آخر أمتي رجالٌ يركبون سروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف، إلعنوهن فإنهن ملعونات)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من أشراط الساعة، أن تظهر ثيابٌ يلبسها نساءٌ كاسيات عاريات).
إن هذه الأحاديث وأمثالها يعد من معجزات النبوة، فإنه لم ير عليه الصلاة والسلام ما أخبر به، ولكنه وقع كما أخبر، وذكر بأن هذا من أشراط وعلامات الساعة: من ذلك ظهور الكاسيات العاريات.
تخرج النساء كما نشاهد في عصرنا هذا، يلبسن ثياب، لكنه لا يستر، الستر مطلوب شرعاً، فتكون المرأة كأنها عارية، إما لرِقة هذه الثياب وشفافيتها، وإما لقصره بحيث أنها لا تؤدي وظيفة الستر المطلوبة، وإما لأنها ثياب ضيقة، تُظهر تفاصيل جسمها، فتبرز صدرها، وعجيزتها، فتكون كأنها عارية، وكل هذا واقع ومشاهد.
إن المجتمع قفز قفزات سريعة في وقت قصير من الزمن، وصار هناك تحول ملحوظ في ملابس النساء عندنا، وشياطين مصممي الأزياء عرفوا من أين تؤكل الكتف.
إن الحديث عن الملاحظات الشرعية على ما تلبسه نساءنا، حديث قد يطول، وليس هذا مجال تفصيله، ولكن سأنبه إلى ظاهرتين، انتشرتا انتشاراً سريعاً وملحوظاً في الآونة الأخيرة، وكلا الظاهرتين، أفتى عدد من علمائنا بحرمتها فعليك أيها الأب أو الزوج، أو ولي الأمر، بعد هذا أن تتبع ما أقوله في أهل بيتك، فإن كان حاصلاً يكون المنع والتنبيه لكي لا تقع أنت أيضاً في الإثم، وتشارك في المحرم لرضاك بهذا، بل ربما يكون الإثم الأعظم عليك لأنك ولي الأمر وبإمكانك المنع، أما المرأة، فهي ناقصة عقل ودين.
الظاهرة الأولى: وضع العباءة على الكتف. وتظن المرأة أنها قد سترت نفسها بهذه الطريقة، وهي قد سترت بعض الستر، لكن ليس هذا ما أمرها الله به، إن العباءة إذا وضعت على الكتف، وقعت المرأة أولاً في محذور التشبه بالرجال، لأن وضع العباءة على الكتف من خصائص الرجال، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، وتقع أيضاً في المحذور الثاني وهو إبراز الجسد وهيئته وحجمه، وهو حرام أيضاً ولا يجوز، فعلى المرأة، أن تضع عباءتها على رأسها، لينزل إلى قدميها وتكون بذلك قد سترت نفسها كما أمر الله.
الظاهرة الثانية: لبس النساء للبنطال. وهذه الظاهرة انتشرت في مجتمعنا مؤخراً انتشار النار في الهشيم، وهي ظاهرة غربية جاءتنا من ديار الكفر، لا تتناسب مع عاداتنا ولا أعرافنا، ولا يناسب هذا مجتمعنا، كيف رضيت به المرأة؟ لا أدري. بل كيف رضي الأب أن تخرج بناته وهن لابسات للبنطال، وكيف رضي الزوج أن تخرج زوجته؟ لا أدري؟ حجتهم أنها ساترة لنفسها بالعباءة، وهذه حجة ضعيفة، فالعباءة قد يحركها الهواء، وكثرة الحركة، وقد تقع المرأة، أقول وإن لم يحصل هذا فإن ظهورها أمام النساء بهذا الشكل فيه محذور شرعي، وهي تجسيد عورتها وإبرازه، فتكون من النساء الكاسيات العاريات اللاتي لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. فلبسه حرام ولا يجوز، فتنبه أيها الأب، وأنت أيها الزوج.
ومن أشراط الساعة أيضاً: صدق رؤيا المؤمن. فكلما اقترب الزمان، وكلما قربت الساعة كثرت هذه العلامة، وهي أن المؤمن يرى الرؤية في المنام، فتقع الرؤيا في الواقع كما رآها، وكلما كان المرء صادقاً في إيمانه، كانت رؤياه صادقة، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان، لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا، أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزء من النبوة)).
لعلك تسأل: ما الحكمة أنه كلما اقترب الزمان صدقت رؤيا المؤمن؟ ولماذا كانت من علامات الساعة صدق رؤيا المؤمن؟
الجواب والعلم عند الله تعالى: أنه كلما اقترب الزمان، زادت غربة الإسلام كما في حديث مسلم – ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)) – إذا زادت غربة الإسلام، قبض أكثر العلم، ودرست معالم الشريعة، وازداد الفتن، وأصبح الناس على مثل الفترة، ويقل عندها أنيس المؤمن ومعينه، فالناس عندها يكونون محتاجون إلى مجدد، ومذكر، لما دَرَس من الدين، كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا آخر الأنبياء وتعذّرت النبوة في هذه الأمة، فإنهم يعوضون بالرؤيا الصادقة، التي هي جزء من خمس وأربعين جزء من النبوة.
وإذا ازدادت غربة الإسلام، وذلك بقلة عدد الأخيار الصالحين، وكثرة عدد الفسقة الموجودين، وأصبح الغلبة لملة الكفر، وأصبحت الترأس لأهل الجهل والفسق، وعندها يشعر المؤمن فعلاً بالغربة، فيقل المعين، وينعدم الأنيس، ويزداد الوحشة، ويأخذ أمر الدين بالاضمحلال، عندها، تأتي هذه العلامة رحمة من الله تعالى، وأنساً للمؤمن، وإكراماً له، وتسلية لقلبه، فتكون رؤياه صادقة، نسأل الله جل وتعالى الإعانة.
ومن أشراط الساعة أيضاً وعلاماتها الصغرى: كثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم)) رواه مسلم. وفي رواية: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم)).
لا نكون مبالغين أيها الأحبة، إذا قلنا بأن الكذب أصبح من سمات هذا العصر، صار الكذب على جميع المستويات، الخاصة والعامة، الرسمية وغير الرسمية، الصغير والكبير، أصبح الناس لا يثقون بشيء خذ بعض الأمثلة في صحافتهم لعلمهم بأنه قد دخله عنصر الكذب، لمصلحة فلان أو فلان، ومع كل أسف إن شعوب العالم الإسلامي صارت تثق وتأخذ أخبارها من الغرب الكافر، ولا تثق بإعلامها من أجل دقة الأخبار والتثبت والمصداقية عندهم، وأصبح الناس لا يثقون بتصريحات مدرائهم، حتى على مستوى العمل والوظيفة، لدخول عنصر الكذب والنفاق فيه.
والأخطر من هذا كله إذا دخل عنصر الكذب في البيت، كأن يصدر من أب ويعرف الابن، أو يدخل المدرسة، فيصدر من مدرس ويكتشف الطالب، عندها قل على التربية السلام.
ومما يؤسف له، أنك أصبحت تشم رائحة الكذب على بعض الفئات العاملة للإسلام، ويُدخل تحت باب التورية، من أجل مصلحة الدعوة، وهو في الحقيقة كذب.
إنك تستطيع أن تتعامل في دائرة السوق، أو في دائرة العمل، أو غيرهما من قطاعات الحياة، تستطيع أن تتعامل مع فاسق، أو مع شارب خمر، أو مع آكل ربا، لكنك لا تستطيع أن تتعامل مع كذّاب.
اسمع لهذا الحديث الصحيح عند مسلم، عن عامر بن عبدة قال: قال عبدالله بن مسعود: ((إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم، فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدِّث)).
نسأل الله تعالى العفو والعافية، والستر في الدنيا والآخرة.