**الفصل الرابع**
علمت أن الخَادمة سوف تعترضُها فوَاصلت الكلمتين الأخرتين كأمر مُباشر منها , رحلت الخادمة بهدوُء ودخلت اليس إلى اياتو ,
شعرت بجو الغرفة المُشوش والظلام حالكُ فيها , لايزال مُستلقيًا على سريره ترفُض عيناه أن تفتحَان توجهت والدتُه نحو النافذَة
فأزالت الستائر القُرمُزية , تسللت أموَاج خفيفة من أشعة الشمس لمحتوى الغرفة و توقفت عند وجنتاي اياتو , كان شعرُه يلمَع
على ضوء الشمس , أزالت والدته عنه الغطاء عدلت من حِدٌة صوتِها , فأمرتُه بوضوُح ..
_هيَا هلٌمِ بنفسكَ للمدرسَة , لن أسمَح لك بعدم الذهاب .. ليس عليكَ الخروُج ليلاُ ثم التذمُر صبَاحًا بعدم مقدرتِك على الإستيقَاظ
_حسَن حسن , كفى كفَى , كل هذَا جائز دعينِي لوحدِي لثوانِ سوف ألحَقُ بكِ لا تجهزِي لي أي فطوُر لست بالحاجة لذلك , سوف أتوجه مبَاشرة للمدرسَة ..
_بالتأكيد من يرغب بالفطُور بعد أكلة دسمَة ليلاٌ . .
حاولَ أن يتظَاهر بعدم سمَاعِه لكلامِهَا , هو يذكُر أنه قد قَام بذلك , ولن ينسَى ذلك إطلاقًا .. تلك عادَة فيه هيَ لن تُزال على أية
حَال فدمَاء والدِه تسرِي فِي عروقِه توجَه نحوَ الحمَام غيرٌ ملابسُه و نسٌق من هندَامه بعد أن لَبس الزيْ المدرسِي .. كالعَادة نقلتُه تلك
السيَارة السودَاء لكن ليس بِصحبَة ليونيل هاتِه المرَة فقد كان قد غادرَ قبلُه لكونِه تأخر كثيرًا .. شعر بالذنب لمَا قام بهِ أمس ليس تجَاه
تلك الأكلة اللذيذة بل من أجل والدتِه , تساءل إن كان يعذبُها بقيَامه بذلك , لكن على أية حال ليس له حلاٌ اخر هو مصاص دمَاء في نهاية
الأمر , توجهَ نحو قسمه الطابق الخامس , كانت تلك الفتاة لم تأتي بعد ولم يلحظهَا فِي أي زاوية قريبة من القسم إلا إن كانت فِي سطح
المدرسَة , لم يُبالي لكل ذلك فجلس فِي كرسييْ الأمس .. إنهمَك فِي حل تلك المُعدلاَت المُسطفٌة فِي الصبورَة و لكلاَم الأستَاذ المتوَاصل
وقد شَعر بإرتيَاح كَبير لأنه قد جاء إلى هنا لطالمَا كان يحب أن يتعلم .. وحتىَ إن لم يكُن له حلُمًا وجيهَا من أجل مُستقبلِه إلا أنه سوف
يدرِس على أية حالِ .. على اِسترَاحة التقى بذَاك الولد فِي أحدى المُدرجَات .. تذكرٌ إسمُه بصعوبَة .. اصبَح يُرددِ فِي مخيلتِه حروُف اِسمِه
بصعوبَة قبل أن يرَاه يقتربُ إليه و هو يلوِح له .. يو .. يوهين ؟ لا يزَال لا يذكُره .. وقف أمَامه بإبتسَامة تعلوُ وجههُ ..
_ايَاتو .. اهلاً بك أيُها الصديق ..
أدرَك ذاك الشاب أن ايَاتو قد نسيَ إسمُه بعدمَا لمحُه يُفتشُ عن اِسمِه فِي بزٌتهِ .. تأسف لذلك قليلاُ إلا أنه قطعَ تفكيرُه بلطف .. أستطردَ قائلاً ..
_يوشين كيري هل تذكرتني الان ؟ , لقد سقطَت منِي لوحَة اِسمي لذلك لن تحصُل عليهِ ..
كان فتىَ حماسيًا ويبدوُ لطيفًا ليس بالحدِ الطفوُلِي كان يضَع كفُه خلف رأسُه وهو يحكُ شعرُه ببطء وشعَر بالخجل حينمَا كان يخبرُه
أن اِسمه قد ضاع .. وأنه من المُحتمَل أن يظُن ايَاتو أنه ولدٌا ليس مباليٌا ولا مُهتمٌا بأغراضِه
جلسَ بجانبُه فِي حديقةِ تلك الثانويةِ الضخمَة كان الجو لطيفًا وهو يُدغدغ وجنتيهِما , على مقربة من ملعب الكرة القَدم كلاهُما صامتَان
ويشَاهدَان بتأنِي , إلا أن اياتو كان أكثر إهتمامًا كان يرَاها شيء غير العادةِ وسوفَ تَكوًن شيء ممتُع لو جربهَا يومًا ما , هو قد
سمَع عنهَا كثيرًا لكنهُ لم يُجربُها يومًا قطَع تفكيرُه عندمَا نطقَ ذلك الاَخر اخيرًا ..
_هل يمكننَا أن نكوُن أصدقَاء ؟ , لا أريدُ أن نكوُن رسميينْ جدًا , لذلك ... هل تودُ أن تكوُن رفيقًا لِي ؟
نظرَ إليه اياتو بإستفسَار , بعدَ حين تردد رد عليهِ بشيء من الإبهَام
_سوف أحاول .. أن أكوُن كذلكِ !!
_لا تقلُ كذلكِ , أنا أعلم أنكَ سوف تكوُن صديقًا مثاليًا , أنا مثلك لم أتعرف على أحد من هاتِه الثانويةِ ومع أننِي دخلت العام الماضِي إلا أننِي مازلت لم أعتَد على الأمر إطلاقًا , فِي كل مرة أكتشفُ شيئًا جديدًا وغريبًا هُنا , ولم أحصُل على صديقًا
_حسسَن , لـ , لا بأسسْ بذلكِ ..
رنَ الجرسْ وعادَا للقسمِ , لم تأتِي تلك الفتاةِ ايضًا حتى الان لم يدرِي لما هي تٌشغلُه الان مالحاجة إليهَا ؟ هل لأنها فقطِ هددتُه
إن أخذَ مكانهَا غدًا ؟ لكنهَا لم تأتِي , وماكانتِ لتقوُل ذلك ولو قد خططتِ لعدم المجيء , أبعد كل تلكَ الأفكار عن مخيلتِه وجلسَ
مكَانُه .. مرٌ الأمر كمَا هو فِي العادَةِ وفِي حين وقتِ الخروُجِ ..
_إن تلك الفتاةِ لم تأتِي اليومِ , جيد لأنها فعَلت ذلك كانت هيَ دومًا ماتثرثر كثيرًا ومزعجَة إلى حدِ لايُطاق
وَاصَل سيرُه بلاَ إكتراثِ نحوَ خاَرج الصفِ .. اِلتقى بذلكَ الفتى مُجددًا كيري .. وجدُه يتكأ على جدَار فِي الروَاق وهو يلوُح
بعينيهِ للأسفَل , تقدَم إليه ايَاتو فِي خطوَات بطيئةِ .. وقفَ أمامُه بهدوُء حملَ راحة يدِه وأردفَ
_مرحبًا .. كي .. كيرِي ..
_نادينِي كي .. وسوف أناديكِ ايو نحنُ أصدقَاء الان .. !!
مشىَ معَه حتى باب الثانوية وَجدَ السيَارة تنتظرُه هُناك فودعُه وهو رَاحل , تفاجَئ كيرِي لوهلة وأنه يظُن بأنها نفس السيارة
التِي يستقلُها ليونيل .. تتبعٌ اياتو وهو يترَجل للسيَارة ويفتَح الرجل له الباب ... فكٌر لرُبما يكوُن ذلك مُجرد مُصادفة خاطفة
فأكمل طريقُه وهو يَضع حقيبَته على ظَهره ويحملُها بأصابعِه من الجهة الأخرى , وصَل للمنزلِ كعادتِه صَعد لغرفَتِه سقَط على فرَاشه
وهو مستلقِي على بطنِه .. شَعر بشيء من الضيَاع و إشتيَاق لوالدُه .. وحيَاتُه التِي مرٌت مبهمَة لم ينجَح فِي القيَام بأي شيء ..
سوىَ أنه مصَاص دمَاء أحمقِ لَعين .. يعيِش على دمَاء بشريينِ , كأنت هذِه الفكرَة كأكبر حماقة قد تزُور فكرُه وأنه فِي ذلك الحين
مبَاشرة يشَعر انه يمقُت نفسُه , الحقيقةِ مُرٌه لكنهَا لايمكِن إنكارُها .. تذكر إحدَى المرَات حينمَا كان فِي الرابعة عشَر من عمُره ..
أخذَه والدُه لمكانِ لم يسبِق أن ذهب إليه مرَة فِي تلكَ المرَة .. لأول وهلة يرَى والدُه يغرُز أنيابُه فِي جَسدِ بشرِي .. توسَعت عينَاه
من الدهشة وهو يصرخ .. -توقف إنك تؤلمُه- ... وهو يبكِي دونَ شعوُر منهِ ويٌمسك بطرفِ سترتِه ويُبعدَه بكل مالديهِ من قوة ,
لقد كان ضعيفًا جدًا حينهَا شَعر بأنه قد تسمٌر فِي مكانِه حينمَا سقط ذلك الشخصُ جثة هامدَة وولدُه الدماء تسيلُ من على فمِه والبُقع
على سترتِه , واِكتفى والدُه بالقوِل فقطِ .. -انت ايضًا عليك القيَام بذلك ايَاتو- أومأ ايَاتو نافيًا وبالكَاد دموُعه تتوقفُ عن السيلاَنِ
بصمتِ ولكن بعد حينِ أدركَ أنها الحقيقة لكيِ يظل على قيدِ الحيَاة .. منذُ تلك اللحظَة , تلاشتِ أحلاَمُه وعالمُه .. إلى تنثرَات سخيفَة
مُجرد ترهَات أمام والدُه .. تلقَى مالاَيستوعبُه العَقل من والدِه علمَه الكُره .. الحِقد .. وكل شيء بذيء ولم يكتفِي بذلك حتى كيفَ
يقتُل وينقض على فريسَته بوحشيةِ .. شعَر بالخزيْ من نفسِه حتى بعد أن ظلٌ سنة ووالدتٌه تعانِي لمَاحصَل له , لبرَهة شعرت أن
ولدهَا قد جُن وتخلٌى عنه عقلِه , لكن على أية حالِ طُرق والدُه جعلتُه يتعلَم إجبَارًا عليه أن يُؤمِن ويعيشُ قدرَه .. قطَع تفكيرُه
دخوُل الخادمَة إلى الغٌرفة .. انحَنت مبَاشرة بعدَما أحدثت ضجيج فتح الباب
_عذرًا سيدِي , لم أكن أعلم أنك فِي الغرفة , أرجوُ أن تُسَامحنِي سأرحَل أتيت لوضع بعض التراتيب فِي الغرفة لا أكثر ... اسفةةِ
أشَار اياتو لها بيدِه أنه غير مُهتمِ بذلكِ غيرَ ملابسُه لبسَ كنزَة سودَاء وسروَال أسودَ عليه بعضُ من النقوُش توجَه للأسفل
فالتقى بتلك المرأة مُجددًا , كان شعرُها البنَفسِجِي المُجَعد مُنسَدلٌ على أطرافِها وتلبسً تنورَة بيضَاء فوق ركبتيهَا و حذَاء ذوُ كعبِ
عالِي وتتخبطُ وسط الروَاق , بث فِي روُح اياتو منظرًا جشعًا .. وقفتِ أمامُه تنظرُ إليه بدقٌة .. وقد سدٌت الطريق عن ايَاتو
رفعَ حاجبيهِ مستفسرًا وهو يرفعَ بؤبؤ عينيهِ ببطءِ ولتلتقِي عيونهمَا فِي حدِ واحدِ ..
_لابُد أنك ايَاتو , أيُها الوسيمِ إنك حتمًا أجمل من أبنائِي الأغبيَاء حتى .. لابُد أن الفتيَات فِي الثانوية لا يتوقفنَ عن إختلاسِ النظر فِي جسمك وشَعرك وعينَاك .. إنك حتى أجمل من تلك أمك اللعينةةِ ..
أوقفهَا عن حدِها بعد أن مسكهَا ايَاتو في وجهها بضغطِ قوي و بعينَانِ حمروتَان تنتصبَان وتشتعلانِ نارًا ..
_أخبرينِي من تقصدِي باللعينةةِ أيتهَا الجشعة ..
قالهَا وهو بالكَاد يتمسَك بأعصَابه ويكبحُها بداخلهِ .. كانت إبتسامة ساخرَة تستفزُه تظهرَ من شفتيْ تلك المرأة .. مسكتِ بيدهَا ذراعه
_توقفِ ياأيهَا المُدمن على الدمَاء .. حتى أنا بإمكانِي قطعَك لأشلاَء .. فأنزل يدكَ قبل أن أفعَل ذلك حقًا ..
أصدَرَ اياتو صوتَ إنزعاجًا منها وقد برزَت أنيابُه .. أنزل يدَه عنهَا وقد رُسمَت أصابِعه حقًا على جانبيْ وجنتيها..
, علِم فِي ذلك الحيَن أنها والدَة باقِي الأولاَد .. سمِع صوت من خلفِه وهو قادمِ من بَعيدِ .. ومن ثمِ بسِرعَة خاطفَة أحسَ
بذرَاع حولِ رقبتِه وهيَ تحَاول حبسَ أنفاسِه .. أسنَد ذاك الشخص رأسُه على كتفِه وهو يتمتمِ فِي أذنِه بصوتِ إستهزاء ..
_مادمتَ لا تقبَل أن يمُس أحدهم والدتُك , إذًا توقفَ عن لمِس والدتِي يا أخِي الصَغيرِ ..
فِي ذلك الحيَن علمَ أن من ورَاءُه كان أكَاي , ضَحِك اياتو لبرهَة بلا مبالاَة , وأزاَح ذرَاع أكاي بقوَة و غادرَ وهو ينظرُ
لتلك المرَاة بنظرَة حادَة وقد عادت لهُما لونهمَا المعتاد .. ظهرت والدتُه فِي نهاية الرواق فِي مقابلته فأسرعت إليه وأمسكت
بيدِه وأخذتُه معهَا بدوُن أن تردِف بكلمَة لأي منهم , شَرحت له كل مابإمكانها قولُه عن تلك المرأة يوجينِي و ماقصتُها وكيف
عليهِ أن يُعاملهَا , كان صامتًا كعادتِه يستمعُ وكفى .. بعدَ عصرِ ذلك اليومِ خرجَ من القصرِ مشيًا ليسَ قصدًا لأي مكان .. يمشِي
وفقط يتذكرُ بعدَ الأمور ويفَكر أيضًا فأشيَاء عديدَة كإخبَار والدتُه عن فكرَة رغبتِه فِي زيارة والدِه .. ولكن كيف ؟ ويتركها وحيدَة
فِي ذلك العالم المخيفِ ؟؟ , كان ذلك يبدوُ غير مريحًا له دخلَ إحدَى المحلاٌت اِشتَرَى عصير العِنب وأكملَ طريقُه .. توقفَ عندَ
حديقةِ يُراقت المارٌة ويُفكر لبرهَة , لمَح تلك الفتاة تمشِي سريعًا هُناك , بدوُن شعُور منهَ لحِق بهَا بداعِي الفظوُل .. ولما لم تحظر اليومِ ؟
كانت تلبِس سروَال جينزِ و سترَة زرقَاء خفيفة وشعرُها ينسدلُ من ناحية ظهرِها .. وجدهَا ولجَت لداخِل المُستشفى القريبُ من
هناك فتبعِها دوُن إكتراث وبإحتراس حتى لا تنتبِه له .. وَقفتِ أمام مكتب الإستقبال تسأل تلك المرَأة هناك تبادلتَا كلمات قليلة ثم
واصلت مشيَها دخلت غرفة مُحددَة لم يكن هناك أحد بداخلِها سوى جسَد مستلقِي على الفِراش وعينَاه مغمضتَان وكثير من الالاَت حوله
و خيوُط مربوطَة بصدرِه وأماكن عديدَة , كان يبدوُ رجلاً فِي الأربعين رتبت قليلاً من شَكل الغُرفة ومن ثم غيرت مافِي إناء الزهوُر من
وروُدِ قديمَة كان يراقبُها اياتو طوَال الوقت فِي خلسَة .. جلست على الكُرسِي قبالتُه تنظُر إليه وقد عانقت الدموُع عيناهَا تفاجئَ اياتو
حينمَا رآها تذرفُ دموعًا .. كانت تتشبتُت فِي بنطالهَا بيديهَا بقوة وتشهقُ بقوة .. كانت تتحدث بصعوُبة ووتلثعمِ ..
_أبِي . . أتعلمُ ماأتيت لأخبرُك عنه اليوم ؟ أتعلم مالقصة ؟ لقد حاولت ألا أخبرُك حقًا وأكتُم الأمر عنكَ , لكن لم يَكن لدي شخصًا اخبرُه بالأمر وقد كان الأمر فعلاً صعبًا علي .. لقد غادرتنَا والدتِي .. لقد رَحلت وتركت ورائهَا رسالة فقطِ .. تركتنا لوحدِنا .... ولحدِي فِي بيتنا .. متى سوف تعوُد إلي مُجددًا يا أبي ؟ أنا أحتاج إليك الان حقًا ؟ لأنه لم يَعد لدي شخصِ يظلُ معِي .. أرجوٌك يا أبي .. اِفتَح عينيكَ , قل أنك لن تتخلٌى عنِي ابدًا .. سوف تظلِ بجانبِي للأبَد , ونذهب للمنزل سويٌة ونأكل العشَاء والغذَاء معًا , وتعيدُ والدتِي للمنزِل يومًا ما .. أخبرنِي بذلك هيَا ..
كانت كلماتها تختفِي وسطَ دموعهَا .. اسنَدت رأسها وهيَ تُمسك بيدِ والدِها بقوة .. وكانت تبدوُ فِي حالة يرثى لها .. محاولة أن تجد
شيئًا يوُقض والدُها أي كان ذلك الشيء .. تريدُ الحصوُل عليه .. كبحَ اياتو صوتُه أرَاد أن يدخل و يربت على كتفِها وأن يمحُ عنهَا
ألمَها ويغادر فقط .. كغريبِ اِستمَع لسرِ لها دوُن قصدِ منه .. إلا أنه غادر وهو يحملُ كل ذلك الأمر فِي قلبهِ .. جلسَ فِي حديقة ذلك
المُستشفى مُتجمدًا , هو لا يدرِي يومًا كيف يكوُن الشعوُر حينمَا تهجُره والدتٌه وتتركُه لوحدِه ؟ أو يُمضِي والدُه بقيتُ أيَامُه على
الفراش فِي المُستشفى والذِي بالكاَد يُصبح منزلِه الجَديد .. ؟ أو أن يعيشْ فِي منزل لوحدِه ؟ غادرَ المُستشفىَ سريعًا دوُن أن يلتفتُ
وراءً شعرَ أن تلك الفتاةِ تعانِي أكثر ألمٌا أكثر من عٌمرِها .. عاد إلى المنزلِ , سمع ضجٌة على مقربةِ من غرفة المطبخِ , كانت تلك
السيٌدة يوجيني تُخاصم إحدى الخادمَات , وتوبخُها على مدَى سوُء عملها وأنها سوف تقوُم بطردِها , كانت صامتةِ ساكنة لا تنبسُ
بشفه كلمة , إلا أن يوجيني كانت تبدوُ حقًا غاضبة , فأردفت أخيرًا قائلة أنها سوف تنقل شكواها إلى رئيسها على سوُء المعاملة التِي
تلقتها مع أنها لم ترتكت خطأٌ , ما إن مرٌ اياتو من هناك فوجدها قد أنقضت يوجينِي على الفتاة وامتصت دمائهَا كاملة , وقد أشبعت
نارَ غريزتها , أشَاح اياتو نظرَه وأكمل طريقِه , مسحت الدماء من على شفتيها ونادت الخادمة الثانية لتنظف الفوضَى التِي حصلت
هناك والجثة التِي سقطت ساكنة أرضٌا مرميٌة ممزقة بوحشيٌة .. خرجت يوجيني وهي تضرب رجليهَا أرضًا وصوت كعب حذائها الرفيعِ
كانت يظهر عليها أنها متجهة إلى ميولاو , ذهبت هي وفستانها الملطخ بالدمَاء , ما إن وصلت إلى الطابق المخصص له , فأعتذرت
منها الخادمة على أنها ممنوعة على القدوُم لهاته المساحة , كانت عيناي يوجيني حمرَاء مخيفةِ ويسكنها وحشًا بداخلها ,
رمت الخادمة بضربة قوية بعيدَة عنها , سقطت أرضٌا , فأردفت بنبرَة حادٌة و غاضبةِ
_أنتِ حقًا لا تأملين أن تكوُن نهايتكِ أسوأ من الخادمة السابقة
بدت بمظهر مخيفِ , وقد انتبَه ايَاتو لمدَى جأشِها حتى عندمَا انتقلت إلى روَاق غرفة ميولاو , بدت وكأن أحدهم يُسيطر عليهَا
ومريعة , واصل اياتو طريقه لم يعر للأمر إنتباَه كان قد توقعَ أن تسير الأموُر فِي هذَا القصر على هاته الحالِة عاجلاً ام آجلا ,
كل يتصرَف على هواَه , ويجب عليهم ألا يوضفوُا خادمَات بشريَات ايضًا , أصبحنَ كعبيدِ , إن أخطأت أحداهن فِي القِيَام بمهامِها
أصبَحت أُكلة لذيذَة لأحد أفرَاد العائلةِ وكل تحت إمرَة سيدِه , والمؤسِف أنهم يقومون بإحضَار البشريينِ والقيَام بتوظيفهن دوُن
إعلامِ مُسبق بإنه قصر مريع ولمصاصِي الدمَاء ولا يجدُر بفريسة أن تدخل ذاك القصر فحيَاته على المِحك , على أية حال كان
قد شَاهد صورِ فظيعة أكثر من تلك فالأمر يبدوُ عاديًا له حينمَا قامت لك الانسَة بإلتهام الخادمَة ..
فِي غرفة السيد ميولاَو خلف بابه كانت تطرق الباب , أذِن لها بالدخوُل , شعر بالشفقة عليهَا من مظهرها المزرِي , لباسُها الأبيض
ممزٌوج بلونِ قرمُزِي , وشعرُها البنفسجِي الذِي اختلط هو الثانِي بلون الدمَاء , شعر ميولاو لوهلة أنه يرَى وحشًا أمامه , سَارت
بجسمِه رعشَة , لم تتردد للحظَة تقدمت نحو مكتبه خبطَت كلتا ذراعيِها على مكتبه بقوٌة وأعصابها المشدوُدَة , وميولاو الذي يتبعُها بعينيهِ
أغلقت عيناها بشدٌة محاولة التحكم فِي أعصابِها , وبنبرَة يتخللٌها قسَاوة و محاولة فِي خفض من حِدة صوتها قائلة ..
_لم أعد أحتمِل هذا الأمر , منذ أن غادرَت إنقلب القصر رأسًا على عقِب , الخدم سيؤوُن جدًا , ولعلمكَ على هاته الحالة سوف نقوم بإلتهامهم جميعًا كالذئَاب , فلتوجد حلاٌ لذلك سريعًا , ... واعلم أن ذلك ينحدر كُله من زوجتك المريعة تلك ..
زادت من حِنكَة صوتها وإرتفاعًا حينمَا أضافت كلماتُها الأخيرَة صبٌت غضبَها على أليس رغم أنها لم تقم بأي تغييرِ يُذكر طِوال
فترة غياب يوجيني .. , توجهت نحو كرسي ميولاو سقطت على ركبتيها تبكي .. تمسٌكت برجليْ ميولاو ..
_أرجوك , أرجوك ميوُ أشفق علي لم أعد أتحمل , الأمر مريع مريع جدًا , أطرد تلك المرأة هي وإبنها من هنا , انا مازلت زوجتك
أرجوُك لا أستطيع أن أتحمَل أكثر من هذا .. مازلت أحبُك ومهما حاولت أن أنسَاك و أنتقم منك لا أستطيع اغفر لِي خطيئتي وإن
كان هناك أي شيء أستطيع القيَام به , أي شيء من أجل أن أكفِر عن ذنبي أخبرنِي عنه , حتى لو جعلتك سيد هذا العالم
... ميولاو ,, ميو , لا تتركني ارجوُك ..
كانت تجهش بالبُكاء وهي تتوسل إليه كمرأة هوجاء ونبرَة صوتها الباكية وشهقاتها المتواصلة , انحنت رأسها للأسف ولا زالت
ممسكَة برجلاي ميولاو والذي يلتفت إليها بنظرَات مُبهمة , ودموعها بالكاد تتوقفٌا عن السيلاَن ... خيٌم الهدوُء فِي المكان سوَى
صوت البُكاء , بعد ثوانِي عصيبة , تكلمٌ ميولاو أخيرًا ..
_ارحلي يوجيني ... أظن أنني أوضحت الأمر المرٌة الماضية بما فيه الكفاية .. اِرحلي فحسب ..
تحدث معها بهدوُء وبصوت رنَان .. وجٌهت رأسها إليه ووجهها المبلل , نظرت إليه وتشعر أنها بالكاد تموت , أحكمت فِي قبضتها
.. اِختفى صوتها وماتبقى إلا عيناها اللتان أصبحتا كمرأة إشتد عليها الفقر واِختفى أبنائها فِي مكان ما .. احكَمت من جأشِها
وقفت بعد لحظات وقد تغيرت نظراتها اختفت ملامِحُها وسط خصلات شعرِها وعيناها بالكاد تتضحان .. مشت بضع خطوات ,
وقفت أمام مكتبه حملت كلتا ذراعيَها و بضربة واحدَة أسقطت كل مايحويه المكتب أرضًا , بدأ صوتها يتعالى فِي المكان وهي تدمرِ
الغرفة وتكسر كل مابدخلها , و ميولاو الذي لم يبرَح مكانه و اكتفى بمشاهدتها كمجنونة فقدت عقلَها , دخلت أليس فجأة تستفسرُ
عن سبب الضجة , ارتبكت من هولِ المشهَد و المرأة التِي لازالت تحطم الأشياء وتحطم , غطت أليس فمها براحةِ يدِها وهي متفاجئة
... ذكرٌها ذلك بلحظة وقوع الكارثة حين يغضب زوجها بل وأكثر من ذلك ... لاحظت أخيرًا ميولاو الذِي جالس يراقب يوجيني دون
حراك .. ولا ردٌة فعل , توقفت يوجيني عن صراخِها وجنونها عندما لمِحت أليس واقفة عند بداية الغرفة ... رفعت جمجمتها ونظراتها
الثاقبة لا تكادان تغادران وجه أليس مشت بتمايل وكأنها ثملة , فتحت يداها على مصراعيها وهي تضحك ضحكة مدويٌة قائلة ..
_هذه هي زوجتك التي تفتخر بها يا سيد ميولاو , هاته الانسة أليس ؟ أهاته المرأة التِي فضلتها عني ؟
ذاك الوجه اللطيف والظريف الذِي تحمله ؟ وقسمَات وجهها البريئة ؟ , لكنها لازالت تنتمِي إلى السيد ايشيرو ,
لازالت تنتمِي إليه دمائه لازالت تسرِي فِي عروقها مثلما انت يا ميولاو بداخلِي , كل تلك الصفَات .. كل ماتحمله من مشَاعر
سوف أدمرُها سوف أدمرها حطامًا أمامك يا ميولاو , سوف أريك كيف أمحيها ..
بدت جشعة , ومخيفة , وحدٌت صوتها وكأنها أسد أطلق صرَاحه في لحظة ما دون تفكير , رفعت يدها مشيرَة على أنها سوف
تضربُها كفًا , وقفَ ميولاو متفاجئًا ويبدوُ وكأنه بعيدًا عن موقع أليس , والتي مازالت لا تدري ماعليها أن تفعله ... وجهت راحة
يدها مبَاشرة نحو خدِ أليس ... , فِي اخر لحظَة أوقفتها يدُ بقبضة واحدَة فتحت أليس عيناها بعد أن كانت منتظرَة أن تتلقَى
الضربة .. وجدت اِبنها أمامها .. !!
أحكم اَياتو قبضته بالضغط على رسغِها , وسقطت على الأرض متألمة و تصرخ .. هدأت أعصاب ميولاو و أراح كتفاه وأشَاح
بنظريه للأسفل .. ولازالت يوجيني تتألم على الأرض و ذراعها مرفوعة للأعلى من قِبل يد أياتو , حتى أن سالت الدمَاء من
على ذراعها , عض اياتو شفتيه وهو يحاول أن يظبط أعصابه ومحاولاً إيجاد سببِ واحد يرغمُه على عدم قتل تلك النَكرَة ..
_لقد أخبرتكِ , إنني لن أسمح لكِ ولو بتمرير إصبعك القذرَة عليها . وإن كنت لا تفهمين بلغة الكلام سوف أرغمُك على أن تفهمِي ذلك وتحفظيه حفظًا ... أتفهمين ذلك يا أيتها الحمقَاء !!
أكمل جملته الأخيرَة بغضب ونبرَة عاليٌة , أطلق ذراعها وسقطت أرضًا , نظرَ لميولاو نظرَة حقد و تأنيب , أمسك بيد والدته
وجرٌها خارجًا .. كان ليونيل واقفًا خارج الغرفة , لم يكن مستعدًا ليرَى ذاك المشهد والدتُه التي بدت أنه عليهم أخذها حالاً
لمستشفى المجانين , ووالدُه الذِي وقف حائرًا لم يدرِي كيف فقد السيطرَة على ماحصل بداخل تلك الغُرفة شعر أنه ما كان عليه
أن يأتي فِي هذا الوقت وألا يرَى ذاك المشهد , كان سوف يكوُن سرًا لا يجب عليه معرفتُه كما كانت والدتُه تخفِي عليه أسرارًا
عديدَة مع علمِه بذلك , رَغبَ فِي ان يبقى ذلك سرًا ايضًا , ولا يسمع ولا يعلم شيئًا عمٌا حصل هنا , وتطمئنه أمُه بأن لا شيء قد حصل
وكل شيء على مايرَام .. ولكن الان ... والدتُه أين وهو أين ؟ .. انحنى رأسُه أسفل وقد مرٌ عليه ايَاتو بعد أن توقف ونظرَ إليه لبرهة
ثم أكمل طريقه ومازال ممسكا بيد والدتِه .. دخل ليونيل الغرفة , دوُن شعوُر منه كان يجمع الزجاج من على الأرض .. ويعيد الأشيَاء
لمكانها الصحيح .. انتبه له ميولاو .. تقدمٌ إليه بصعوُبة والذي تفاجئَ عند رأيته وسط الغرفة .. أمسك بكلتا ذراعيه بيديه ونزعَ الأشيَاء من يدي ليونيل .. حاول أن يجد ما يقوله إلاٌ أن ليونيل سابقُه بالكلام ..
_أخبرني يا أبي .. أُمِي لم تفعل ذلك صحيح ؟ السيدٌة يوجيني القديرَة لن تجرأ على القيَام بذلك صحيح ؟
إلا أن كل ذلك كان كذبًا , مشهد والدتُه وهي مرميَة على الأرض وشعرها الذي خطاها بكاملها , كان كافيًا ليدرك به أي شخص قادم
من الخارج أن ماحصل كان بيديِها , وصل أكاي و كيريتو بعد لحظات وقفَا على عتبة البَاب , ظهرت لكل واحد منهما إبتسامة ساخرة
على شفتيهمَا , تقدمُ أكاي وحَمل يوجيني من الأرض وبدَى أنه غير مهتم و يكاد ينفجر ضحكًا , وقبل خروجِه أمرَ كيريتو أن يذهب
و ينادِي الخدَم ليقوموُا بتنظيف الغرفَة , ماإن كان كيريتو متوجهًا لذلك . فكٌ قيدُه من والدِه ومشى يلحق بأخيه أكاي .. صرخ وسط
الروَاق بنبرَة وغُصة ..
_والدتِي لم تقُم بذلك , لم تفعل بذلك , ولن تتجرأ على القيَام بذلك أبدًا ..
توقفَ أكاي وكيريتوُ عن المشي , أزاح أكاي رأسه وهو نصف مستدير ولا يزال يحمل والدته المغميٌة عليها ..استهزأ
من مظهر أخيه الغبي , قائلاً ..
_لاتكن غبيًا يا ليونيل , أنت أحمق سخيف جاهل , يرَى الحقيقة أمامه فيدخل رأسه داخل الرمَال حتى لايرَاها كالنعامة الحمقاء , أبله ..
واصل سيرُه وقام كيريتو بذلك ايضًا , كلاهُما غير مهتمٌان وبدَى أن ليونيل الوحيد الذي يعنيه الأمر فقط .. حتى والدُه الذي
حاول أن يقتربَ منه رفضُه و اتجه نحو غرفته .. مضت تلك الليلة بجوِ مشوش و مرتبك , حلٌ الصقيع داخل ذاك القصر ولم يجرؤ
أحد على الحرَاك تلك الليلة , أمضى ميولاو ليلته فِي كرسيه داخل مكتبه الخدم يحوُم من حوله ويقوم بترتيب الغرفة , وأليس التي
لجأت لغرفتها لتأخذ نصف الفراش لوحدِها وبالكاد تذوق رجفة نوم , لتنسى الأمر فحسب مامن نوم , لكن ذلك لأجل أن تنسى وتشعر
وكأن حلمٌا قد مرٌ بها لا أكثر وشريط المشهد لازال يعوُد فِي خلدها كلمٌا أغلقت عيناها .. و ايَاتو الذي استلقىَ على سريرُه يقرأ
كتابًا على ضوء شمعتِه و أحيَانًا يدوُر فِي غرفته الواسعة دوُن وجهَة معينة ...
*نهايةة الفصصل*