السلام عليكن رحمة الله وبركاته
كيفكن ان ششاء الله بخير
لابد ان بعضكن مهووس بروايات اجاثا كريستي مثلي
وساقدم لكن رواية الفتاة الثالثة
نبدا
"""""""""""""""""""""""""""""""""""
الفصل الأول
جلس هيركيول بوارو إلى مائدة الإفطار وإلى يمينه كوب من الشكلاته الساخنة التي كان يهوى دائما شربها، وبجانب الكوب قطعة من البسكويت المحلى اللذيذ. أومأ برأسه مستحسنا؛ فقد شبع طعاما وهدأت معدته، كما هدأ عقله واستراح، بل ربما هدأ واستراح أكثر قليلا من اللزوم.
كان قد أنهى "إلياذته الكبرى"، وهي تحليل للعظماء من كتاب الروايات البوليسية. وكان قد تجرأ على تجريح إدغار ألان بو، ورفع بمديحه إلى عنان السماء كاتبين أمريكيين مغمورين، وقام بطرق مختلفة أخرى بإغداق المديح حيث يستحق المديح، وبحجبه بإصرار حيث لم ير له مبررا. وكان قد أشرف على طبع الكتاب في المطبعة، ثم نظر إلى النتائج وقال إنها جيدة باستثناء العدد الكبير من الأخطاء المطبعية. كان قد استمتع بإنجازه الأدبي وبذلك القدر الكبير من القراءة التي اضطره إليها، بل واستمتع أيضا بصيحة الاشمئزاز التي أطلقها وهو يرمي بأحد الكتب على الأرض (رغم حرصه دوما على النهوض لأخذه ورميه بترتيب في سلة المهملات)، كما استمتع بإيماءات الاستحسان التي بدرت منه في الحالات النادرة التي كان الاستحسان فيها مبررا.
والآن؟ لقد قضى فترة راحة واسترخاء سعيدة كانت ضرورية جدا بعد هذا الجهد الذهني ، ولكن المرء لا يستطيع الاسترخاء إلى الأبد ولا بد له من الانتقال للخطوة التالية. ولكنه لم يكن يعرف - لسوء الحظ - ما عسى تلك الخطوة تكون . هل تكون إنجازا أدبيا آخر ؟ لم يحبذ ذلك؛ فقد كان شعاره أن ينجز شيئا جيدا ثم يتركه وشأنه . كانت حقيقة الأمر هي أنه كان سئما، فقد كان ذلك النشاط الذهني المحموم الذي بذله كبيرا ، وهو قد أورثه عادات سيئة وجعله قلقا دائم التململ ...
أمر يثير الغيظ ! هز رأسه وأخذ رشفة أخرى من كوب الشكلاته. بعد ذلك فتح الباب و دخل خادمه الماهر جورج. كان سلوكه يتسم بالاحترام ، وبقليل من الاعتذار . تنحنح ثم تمتم قائلا : "توجد ..."، ثم توقف قليلا وعاد ليقول : سيدة شابة جاءت زائرة.
نظر إليه بوارو بدهشة وبقليل من الامتعاض، ثم قال مؤنبا : إنني لا أستقبل أحدا في مثل هذه الساعة .
وافقه جورج قائلا : نعم يا سيدي.
تبادل الخادم النظرات . كان التفاهم بينهما أحيانا محفوفا بالمصاعب ، وكان من شأن جورج أن يوحي - عن طريق تغيير اللهجة أو الإيحاء أو اختيار كلمة معينة - بوجود شئ يمكن استنتاجه إذا ما طرح السؤال بالشكل الصحيح .فكر بوارو في جوابه وتذكر توقف جورج القصير قبل قوله عبارة" سيدة شابة ". كان جورج دقيقا مرهفا فيما يخص المكانة الاجتماعية . وهو لم يكن واثقا من المنزلة الاجتماعية للزائرة ، ولكنه أبقى الباب مفتوحا ومنحها بذلك ميزة حسن النية .
وهل ترى سيدة شابة وليست - مثلا - مجرد شابة ؟
اذا ذلك يا سيدي، رغم انه ليس من السهل دوما الجزم بذلك في ايامنا هذه .
كان جورج يتكلم بأسف حقيقي .
هل أعطت سببا لرغبتها برؤيتي ؟
قال جورج وهو ينطق الكلمات ببعض التردد وكأنه يعتذر سلفا : قالت ... إنها تريد استشارتك بشأن جريمة قتل قد تكون قد ارتكبتها .
حدق بوارو وقد ارتفع حاجباه وقال : قد تكون ارتكبتها ؟!
هذا ما قالته يا سيدي .
هذا غير مقنع ، ولكنه قد يكون مثيرا .
قال جورج بارتياب :ربما ...ربما كانت تلك مزحة يا سيدي .
احسب أن كل شئ ممكن ، ولكن المرء لا يكاد يظن ...
ثم رفع كوبه وقال : أدخلها بعد خمس دقائق .
قال جورج :" نعم يا سيدي "، ثم انسحب .
أنهى بوارو آخر رشفة من كوبه ، ثم تنحى جانبا ونهض واقفا .
ذهب باتجاه الموقد وعدل شاربيه بحرص أمام المرآة الموضوعة فوق إطاره، وبعد أن اقتنع بمظهره عاد إلى كرسيه وانتظر وصول زائرته ، دون أن يعرف - بـالضبط - ماذا عساه يتوقع .
لعله قد أمل أن تكون الفتاة أقرب إلى الجمال بمقاييسه هو للجمال، ولكن خاب أمله حين عاد جورج برفقه الزائرة ، وفي دخيلة نفسه هز رأسه وتنهد . لم يكن من جمال هنا ، بل كانت الحيرة أصدق وصفا لواقع حال الفتاة .
فكر بوارو باشمئزاز : يا لهؤلاء الفتيات ! ماذا يمنعهن من تحسين أنفسهن ؟ فبعض الملابس الأنيقة وقليل من تصفيف الشعر كان يمكن لهذه الفتاة أن تحظى بشئ من القبول . أما الآن ...
كانت الفتاة في نحو العشرين من عمرها ، وقد انتشر على كتفيها شعر طويل سائب يصعب تحديد لونه . أما عيناها الواسعتان فقد كان فيهما تعبير زائغ يخلو من الاهتمام . وكانت ملابسها مما يفترض انه الملابس المختارة لبنات جيلها : حذاء من الجلد ، وجوارب صوفية بيضاء غير محكمة النسج يشك في نظافتها ، وتنورة فوقها سترة طويلة من الصوف الثقيل لا تناسب قياسها . كان من شان أي امرئ بعمر بوارو أو من أبناء جيله ان يتمنى شيء واحد ؛ وهو إلقاء الفتاة في حمام بأسرع ما يمكن ! لطالما خطرت هذه الفكرة لبوارو وهو يمشي في الشارع حيث كانت مئات الفتيات ممن لهن نفس المظهر . ومع ذلك ، ورغم المفارقة ، فقد بدت هذه الفتاة وكأنها غطست مؤخرا في نهر وانتشلت منه . وفكر بوارو بأن مثل هؤلاء الفتيات ربما لا يكن قذرات حقا ، بل كل ما في الأمر أنهن يبذلن عناية و جهدا لكي يظهرن بهذا المظهر.
نهض بأدبه المعتاد لاستقبالها وسحب لها كرسيا وهو يقول : لقد طلبت رؤيتي يا آنسه ؟ اجلسي أرجوك .
قالت الفتاة بصوت لاهث بعض الشئ : آه .
ثم حدقت إليه ، فقال : حسنا ؟
ترددت قليلا ثم قالت : احسب أن ... من الأفضل أن اقف .
مضت العينان الواسعتان تحدقان إليه بارتياب ، فقال : "كما تحبين ". ثم عاد فجلس على كرسيه ونظر إليها ، وانتظر.
جرت الفتاة قدميها ، ثم نظرت إليهما ، ثم رفعت بصرها لتنظر ثانية إلى بوارو وقالت : انت ... هيركويل بوارو ؟
بالتأكيد . هل من خدمة أستطيع تقديمها لك؟
آه ، الأمر أصعب بعض الشئ . أعني ...
شعر بوارو أنها ربما كانت بحاجه لشيء من المساعدة فقال: لقد أخبرني خادمي أنك أردت استشارتي لأنك تظنين أنك ربما ارتكبتي جريمة قتل . أهذا صحيح ؟
أومأت الفتاة برأسها وقالت : صحيح .
ولكن من المؤكد أن هذه قضية لا تحتمل الشكوك ؛ فلا بد ان تعرفي ما إذا كنت قد ارتكبت جريمة قتل أم لا .
لا أعرف تماما كيف أعبر عن الامر . أعني ...
قال بوارو هيا اجلسي وأخبريني بكل شئ عن الأمر .
لا أظن ...آه ، يا إلهي ! لا أدري كيف ...الأمر صعب جدا .
لقد ... لقد غيرت رأيي . لا أريد أن أكون وقحة ولكن ...أظن أن من الأفضل أن أذهب .
هيا تشجعي .
كلا، لا أستطيع .لقد ظننت أن بوسعي أن آتي و...أسألك ، أسألك عما يجب علي فعله ...ولكني لا أستطيع .فالأمر مختلف كثيرا عن ...
عن ماذا؟
أنا آسفة جدا ولا أريد حقا أن أكون وقحة ،ولكن ...
تنهدت بعمق ونظرت إلى بوارو ، ثم أشاحت بنظرها عنه ، وفجأة صاحت قائلة : أنت كبير في السن . لم يخبرني أحد بأنك كبير إلى هذا الحد. أنا لا أريد أن أكون وقحة ولكن...هذا هو الواقع .
أنت مسن جداً . إنني حقا آسفة جدا .
ثم استدارت فجأة واندفعت خارجة الغرفة أشبه ببعوضة يائسة قرب ضوء مصباح .
سمع بوارو - وهو فاغرٌ فمه- صوت انغلاق الباب الأمامي بشدة . وبقي بوارو مذهولا.
رن جرس الهاتف، ولكن هيركيول بوارو لم يبد واعيا لذلك.
رن بصوت عال وإصرار. ودخل جورج الغرفة ومشى نحوه ملتفتا إلى بوارو متسائلا . أشار بوارو بيده وقال : اتركه.
أطاع جورج وترك الغرفة ثانية، واستمر جرس الهاتف بالرنين، واستمر الصوت العالي المزعج، وفجأة توقف.ولكنه عاد بعد دقيقة أو نحوها ليرن من جديد.
يا إلهي! لابد أن هذه امرأة ...لا شك أنها امرأة.
تنهد ونهض واقفا ثم مضى إلى الهاتف فرفع السماعة وقال: نعم؟
هل أنت ...أهذا السيد بوارو؟
نعم، أنا بنفسي.
أنا السيدة أوليفر ...لقد بدا صوتك مختلفا فلم أميزه.
صباح الخير يا سيدتي..أأنت بخير كما أرجو؟
آه، أنا بخير.
جاء صوت أريادني أوليفر من خلال الهاتف بنبراته المبتهجة المعتادة. كان بين بوارو وبين هذه الكاتبة الشهيرة للقصص البوليسية علاقات صداقة . قالت: لقد اتصلت بك في وقت مبكر بعض الشئ ، ولكني أردت أن أطلب منك معروفا.
نعم؟
إنه حفل العشاء السنوي الذي يقيمه نادي كتاب القصة البوليسية ، وكنت أتساءل إن كان بوسعك أن تأتي لتكون الضيف المتحدث لهذا العام. سيكون ذلك لطفا بالغا منك.
ومتى سيقام هذا الحفل؟
في الثالث والعشرين من الشهر القادم .
خرجت من بوارو زفرة عميقة وقال: لقد كبرت كثيرا مع الأسف!.
أبدا.
أتظنين ذلك ؟
طبعا أظن ذلك.ستكون رائعا ؛ يمكنك أن تروي لنا الكثير من القصص الرائعة عن جرائم حقيقية.
ومنذا يريد الاستماع؟
الجميع. إنهم ...سيد بوارو، أيوجد خطب ما؟ هل حدث شئ ؟ تبدو منزعجا .
نعم ، أنا منزعج بالفعل . مشاعري...ولكن لا يهم .
ولكن أخبرني عن الأمر.
ولماذا أثير ضجة ؟
ولماذا لا تثير ضجة ؟ من الأفضل أن تأتي وتخبرني كل شئ عن الموضوع . متى ستأتي؟ عصر اليوم. تعال واشرب الشاي معي.
أنا لا أشرب شاي العصر هذا.
يمكنك شرب القهوة إذن.
ليس هذا بالوقت الذي أشرب فيه القهوة عادة .
الشكلاته إذن؟ وفوقها الكريمة المخفوقة ؟ أم الزهورات؟
أن تحب احتساء الزهورات . أم عصير الليمون، أو البرتقال ؟ أم تفضل القهوة منزوعة الكافئين ان استطعت الحصول عليها...
أما هذه فلا ! إنها كريهة.
سأقدم لك أحد المشروبات التي تحبها كثيرا . لدي نصف رجاجة ريبينا في الثلاجة.
وما هي الريبينا ؟
شراب العليق البري
على المرء أن يعترف لك بالفضل ! إنك تبذلين حقا كل جهودك سيدتي . لقد أثر في اهتمامك ؛ ويسعدني قبول شرب كوب من الشكلاته عندك عصر اليوم .
قالت السيدة أوليفر :"جيد ، وعندها ستخبرني بكل شئ عما يزعك "، ثم أغلقت السماعة .
فكر بوارو لحظة ، ثم أدار رقما على الهاتف , وبعد لحظة قال: السيد غوبي ؟ هيركويل بوارو يتكلم . هل أنت مشغول كثيرا في الوقت الحاضر ؟
أجابه صوت السيد غوبي: نوعا ما … مشغول بعض الشئ, ولكن يمكن أن أتفضل عليك يا سيد بوارو إن كنت في عجلة من أمرك كما هي عادتك..فلا أقول إن الشباب عندي لا يستطيعون تدبر ما هو موجود حاليا من عمل . إن الحصول على شباب جيدين لم يعد سهلا كما كان من قبل ؛ فهم معجبون كثيرا بأنفسهم في هذه الأيام. يظنون أنهم يعرفون الصنعة كلها قبل أن يبدؤوا في تعلمها . ولكن لا حيلة في ذلك ! لا يمكن للمرء أن يتوقع عقول العجائز في أجسام الشباب . سيسرني أن أضع نفسي تحت تصرفك يا سيد بوارو ، وربما استطعت تكليف شابين جيدين بالعمل . أحسب الأمر كالعادة ...جمع معلومات؟
ثم أخذ يومئ برأسه ويصغي وبوارو يشرح له بالتفصيل ما يريد منه من عمل . وعندما انتهى من السيد غوبي، اتصل بوارو بشرطة سكوتلانديارد حيث تم إيصاله أخيرا إلى صديق له هناك.
وبعد أن أصغى ذلك الصديق بدوره لما يطلبه بوارو أجابه: إنك متواضع فيما تطلبه، أليس كذلك؟ أنت تطلب مني أي معلومات عن أي جريمة قتل ، وفي أي مكان! لا تعرف الزمان ولا المكان ولا الضحية. يبدو لي هذا أشبه بطاردة السراب أيها العجوز!.
في الساعة الرابعة والربع كان بوارو يجلس في غرفة جلوس السيدة أوليفر يحتسي – بإعجاب – الكوب الضخم من الشكلاته التي تعلوها الكريمة المخفوقة والذي كانت مضيفته قد وضعته لتوها على طاولة صغيرة بجانبه، وقد وضعت بجانبه طبقا من البسكويت.
يا لهذا اللطف يا سيدتي العزيزة!
نظر من فوق كوبه بقليل من الدهشة إلى تسريحة السيدة أوليفر ، وإلى ورق الجدران الجديد في بيتها. كان كلاهما جديدا بالنسبة له ؛ ففي آخر مرة رأى فيها السيدة أوليفر كانت تسريحة شعرها عادية بسيطة، أما الآن فكانت تسريحتها تظهر الكثير من الغنى بتلك الخصلات الدائرية المرتبة في أشكال معقدة فوق رأسها كله. وقد ارتاب بأن هذا الترف الغني مصطنع إلى حد بعيد. وفكر في نفسه كم كم خصلات الشهر هذه يمكن أن تسقط إذا ما انفعلت السيدة أوليفر فجأة كما هي عادتها. أما بالنسبة لورق الجدران ...
قال وهو يشير إلى الجدار بملعقة الكوب : هذه الكرزات ...أهي جديدة ؟
شعر وكأنه جالس في وسط أيكة من الكرز.
هل ترى أن الكرز فيها كثير ؟ من الصعب الجزم بجمالية ورق الجدران مسبقا . أتظن أن الورق القديم كان أفضل؟
عاد بوارو بذاكرته إلى الوراء ليتذكر –بشكل باهت- ما بدا له أنه منظر لعدد هائل من الطيور الاستوائية ذات الألوان الزاهية. شعر بميل إلى التعليق قائلا: "كثر التغيير دون أن يتغير شئ" ، ولكنه كبح نفسه . وعندما أعاد الكوب إلى صحنه واتكأ إلى الخلف بشئ من الرضا وهو يمسح بقايا الكريمة المخفوقة عن شاربيه قالت السيدة أوليفر: والآن ، ما قصة هذا الأمر كله؟
يمكنني إخبارك بذلك ببساطة. فقد جاءت صباح اليوم فتاة لرؤيتي، وقد اقترحت تحديد موعد لها (فلدى المرء مشاغل حياته المعتادة كما تعلمين ) ولكنها أرسلت تقول إنها تريد رؤيتي على الفور لأنها تظن أنها ربما كانت قد ارتكبت جريمة قتل .
يا له من قول غريب ! ألم تكن تعرف؟
بالضبط، هذا هو السؤال ولذلك قلت لجورج أن يدخلها، فجاءت ووقفت هناك. رفضت الجلوس ...اكتفت بالوقوف هناك تحدق لي، وبدت وكأنها بنصف عقل تماما. حاولت تشجيعها، ولكنها قالت فجأة إنها قد قد غيرت رأيها. قالت إنها لا تريد أن تكون وقحة ولكنني...ماذا تظنين؟ ...ولكنني كبير جدا بالسن...
سارعت السيدة أوليفر إلى قول كلمات مهدئة: آه، إن الفتيات هكذا ...يعتبرن كل من تجاوز الخامسة والثلاثين نصف ميت، ليس للفتيات عقل، ينبغي أن تدرك ذلك.
لقد جرح هذا القول مشاعري .
هيا، ما كنت لأقلق من ذلك لو كنت مكانك . كان قولها هذا وقحا جدا بالطبع.
هذا لا يهم، والأمر لا يتعلق فقط بمشاعري أنا. إنني قلق، نعم إنني قلق.
نصحته السيدة أوليفر بالارتياح قائلة :لو كنت مكانك لنسيت الموضوع كله.
أنت لا تفهمينني..إنني قلق بشأن هذه الفتاة، لقد جاءت إلي تطلب المساعدة، ثم قررت أنني كبير جدا. كبير جدا بحيث لا يمكن أن أكون ذا فائدة لها .كانت مخطئة بالطبع (وهذا من نافلة القول ...) ، ثم اكتتفت بعد ذلك بالهروب. ولكنني أقول لك إن تلك الفتاة بحاجة للمساعدة .
قالت السيدة أوليفر تهدئه: لا أحسب أنها بحاجة لها فعلا. إن الفتيات يجعلن من الحبة قبة.
لا أحسبك ترى أنها ارتكبت جريمة قتل ؟
ولم لا؟ لقد قالت أنها ارتكبت جريمة قتل؟
نعم، ولكن...
توقفت السيدة أوليفر قليلا ثم قالت ببطء: لقد قالت إنها ربما ارتكبت . ولكن ماذا عساها تعني بذلك؟
بالضبط. فلا معنى لذلك,
من الذي قتلته ، أو تظن أنها قتلته؟
رفع بوارو كتفيه في حيرة . فقالت السيدة أوليفر : ولماذا قتلت من قتلته؟
رفع بوارو كتفيه مرة أخرى ، فقالت السيدة أوليفر وقد بدأت تبدع بعد أن أطلقت العنان لخيالها الخصب: ربما كانت الاحتمالات كلها واردة بالطبع. ربما كانت قد دعست بسيارتها شخصاولم تتوقف لإسعافه...وربما هاجمها رجل على شفا منحدر صخري فقاومته وتمكنت من إلقائه إلى الأسفل ..وربما أخطأت فأعطت أحدهم دواء دون غير دوائه...وربما ذهبت إلى واحدة من تلك الحفلات التي يتعاطون فيها المخدرات فتشاجرت مع أحدهم، وربما صحت من غيبوبتها فوجدت أنها طعنت أحدهم. ربما...
يكفي سيدتي..يكفي!
ولكن السيدة أوليفر كانت قد مضت بعيدا، فتابعت تقول وربما كانت ممرضة في غرفة العمليات وأعطت للمريض مخدرا غير المخدر المطلوب أو..
توقفت فجأة، وقد انتابتها لهفة مفاجئة لمعرفة تفصيلات أوضح، فقالت: كيف كان شكلها.
فكر بوارو للحظة ثم قال :إنها كشخصة أوفيليا( إذا ما تغاضينا عن التشابه بالمظهر).
آه، يا إلهي ! أكاد أراها أمامي إذا تصفها بمثل هذا الوصف. ما أغرب ذلك!
إنها ليست قديرة..هكذا رأيتها. ليست ممن يستطيعون التكيف مع المصاعب. ليست ممن يرون مسبقا المخاطر التي يجب أن تأتي. إنها واحدة ممن يقول الناس عنهم وهم ينظرون حولهم : "إننا بحاجة لكبش فداء، وهذه تصلح لذلك".
ولكن السيدة أوليفر لم تكن تصغي الآن. كانت تمسك بخصلات شعرها بكلتا يديها في إشارة مألوفة لدى بوارو. صاحت بشئ من الألم : انتظر، انتظر!
انتظر بوارو وقد رفع حاجبيه.
أنت لم تقل لي ما هو اسمها .
لم تعطني اسمها، وهو أمر مؤسف..أتفق معك في ذلك.
صاحت ثانية بنفس الألم : انتظر!
أرخت قبضتها عن شعرها وأطلقت زفرة عميقة . حرر شعرها نفسه من أربطته وانسدل على كتفيها، فيما انفصلت خصلة ضخمة من الشعر كليا وسقطت على الأرض . أخذها بوارو ووضعها على الطاولة دون أي تعليق.
قالت السيدة أوليفر وقد عاد إليها الهدوء فجأة وغرست في شعرها بعض الدبابيس وأومأت برأسها وهي تفكر: حسنا إذن، من الذي دل هذه الفتاة عليك يا سيد بوارو؟
لا أحد حسب علمي، من الطبيعي أنها سمعت عني دون شك.
فكرت السيدة أوليفر بأن عبارة "من الطبيعي" هذه ليست العبارة الصحيحة أبدا. كان من الطبيعي أن بوارو نفسه كان متأكدا من أن الجميع قد سمعوا به دوما، ولكن من شأن عدد كبير من الناس (في الواقع) أن يحدقوا إليك دون فهم إذا ما ذكرت لهم اسم هيركيول بوارو، وخاصة جيل الشباب منهم. وقالت لنفسها "ولكن كيف أقول ذلك دون أن أجرح مشاعره ؟".
أعتقد أنك مخطئ؛ فالفتيات والشباب الصغار لا يعرفون الكثير عن رجال التحري. إنهم لا يسمعون بهذه الأشياء.
قال بوارو متفاخرا:لا بد أن الجميع قد سمعوا بهيركيوا بوارو.
ولكن قليلو الثقافة في أيامنا هذه. والواقع أن الأشخاص الوحيدين الذي يعرف الشباب أسماءهم هم المغنون وأعضاء الفرق الموسيقية ومقدمو البرامج الغنائية..وأمثالهم . وإذا ما احتجت إلى شخص متخصص متفرد، وأعني بذلك طبيبا أو رجل تحر أو طبيب أسنان ...فعندها لا بد أن تسأل أحدا ...أن تسأل عن أفضل شخص يمكن أن تلجأ إليه. وعندها سيقول لك من تسأله: "يا عزيزي، يجب أن تذهب إلى ذلك الرجل الممتاز جدا في شارع كوينز آن، فما أن يجري لك بعض الحركات في جسمك حتى تشفى". أو : لقد سرقت كل جواهري، وكان من شأن هنري أن يستشيط غضبا، ولذلك لم يكن بوسعي اللجوء إلى الشرطة، ولكن يوجد رجل تحر رائع بالفعل، وهو كتوم جدا، وقد أعادها لي دون أن يعرف هنري شيئا عن الموضوع" ...هكذا يحدث الأمر دائما. لقد أرسل أحدهم تلك الفتاة إليك.
أشك بذلك كثيرا.
ليس ممكنا معرفة ذلك حتى يخبرك أحد به. وسيخبرك به أحدهم الآن. لقد خطر الأمر لي توا: أنا التي أرسلت تلك الفتاة إليك.
تكملة الفصل الثالت
نظر بوارو إليها وقال: أنت ؟ ولكن لماذا لم تقولي ذلك فورا؟
لأن الأمر لم يخطر ببالي إلا قبل قليل فقط...عندما ذكرت أوفيليا؛ ذات شعر طويل يبدو مبلولا، وهي دميمة بعض الشئ. لقد بدا ذلك وصفا لفتاة رأيتها عمليا من قبل...قبل فترة وجيزة تماما، ثم تذكرت من تكون.
ومن هي ؟
أنا لا أعرف اسمها عمليا، ولكنني أستطيع معرفة ذلك بسهولة. كنا نتحدث عن رجال التحري والمخبرين الخاصين...وتحدثت أنا عنك وعن بعض الأمور المدهشة التي فعلتها.
وأنت أعطيتها عنواني؟
لا ، لم أعطها عنوانك بالطبع؛ فلم أكن أعرف أنها تريد رجل تحر أو شيئا من ذلك. ظننت أنه مجرد حديث. ولكنني ذكرت اسمك مرات عديدة، وسيكون من السهل طبعا أن تعثر الفتاة على اسمك في دليل الهاتف وتأتي إليك.
هل كنتما تتحدثان عن جرائم القتل؟
لا أذكر ذلك تحديدا. بل إنني لا أعرف كيف دخلنا في موضوع رجال التحري. إلا إذا، نعم، ربما كانت هي التي بدأت طرح الموضوع..
أخبريني إذن، أخبريني بكل ما تستطيعينه...حتى إذا كنت لا تعرفين اسمها، أخبريني بكل ما تعرفينه عنها.
حسنا، لقد كان ذلك في عطلة نهاية الأسبوع الماضي. كنت في ضيافة عائلة لوريمر. ولا علاقة لهم بالأمر، باستثناء أنهم أخذوني إلي بعض أصدقائهم لقضاء أمسية. وقد كان هناك العديد من الأشخاص، وبدأ الحضور يقولون أشياء لي كما تعلم: عن مدى حبهم لكتبي وقصصي ومدى تشوقهم للقائي...وهذا كله يجعلني أشعر بالحرج الشديد والضيق، ويشعرني بأني سخيفة بعض الشئ. ولكنني تمكنت من التكيف بشكل أو بآخر. وقد أعربوا عن مدى خبهم لرجل التحري الفظيع في قصصي، واسمه سفين جيرسون. (وليتهم يعلمون كم أكرهه أنا! ولكن ناشر كتبي يوصيني دوما بعدم قول ذلك). على كل حال، أظن أن الحديث عن رجال التحري في الخياة الواقعية قد نشأ عن هذا الموضوع، وتحدثت قليلا عنك، وكانت هذه الفتاة واقفة قربنا تصغي. وعندما قلت إنها أشبه بأوفيليا نشطت ذاكرتي وفكرت: "بمن يذكرني هذا الوصف؟". ثم تذكرت وقلت لنفسي:"بالطبع إنها الفتاة التي رأيتها في الحفلة ذلك اليوم".وأكاد أظن أنها تنتمي إلى ذلك البيت، ما لم أكن أخلط بينها وبين فتاة أخرى.
تنهد بوارو؛ فمع السيدة أوليفر يكون المرء بحاجة للكثير من الصبر. سألها: من هم هؤلاء الناس الذين كنت في زيارتهم؟
أحسب أن اسم الرجل هو تريفوسيس، أو ربما تريهيرن.اسم من هذا القبيل...وهو من أقطاب المال . غني تماما.له وجوده في لندن، ولكنه قضى معظم حياته في جنوب إفريقيا...
هل له زوجة؟
نعم، وهي امرأة جميلة جدا ذات شعر أشقر وأصغر منه بكثير، وهي الزوجة الثانية له. أما ابنته فهي من زوجته الأولى. وقد كان هناك أيضا خال لهم هرم جدا ويكاد يكون أصم، وهو شخص مميز جدا..تجد أمام اسمه سلسلة من الالقاب. ربما كان أدميرالا أو ماريشالا جويا أو ما شابه ذلك؛ وأظنه عالم فلكي أيضا؛ فقد كان لديه تلسكوب ضخم فوق سطح البيت (رغم أظنني أن تلك مجرد هواية له). وقدكانت في البيت أيضا فتاة أجنبية كانت تجرب هنا وهناك لرعاية العجوز، وأظن أنها تسافر معه إلى لندن وتحرص على أن لا تدعسه سيارة ..وقد كانت جميلة بعض الشئ.
رتب بوارو المعلومات التي زودته بها السيدة أوليفر وهو يشعر وكـأنه كمبيوتر بشري، ثم قال لها: إذن فإن من يعيش في البيت هم السيد والسيدة تريفوسيس..
اسمها ليس تريفوسيس. تذكرت الآن ...إنه ريستاريك.
هذا اسم من نوع مختلف تماما من الأول.
نعم، هو كذلك. إنه اسم من الأسماء الشائعة في كورنوول، أليس كذلك.؟
يعيش هناك - إذن - السيد و السيدة ريستاريك، والخال العجوز البارز. هل اسمه ريستاريك أيضا؟
اسمه السيد روديريك فلان.
والفتاة الأجنبية ، كائنا ما كان عملها، والابنة ...هل يوجد أطفال آخرون؟
لا أظن ذلك، ولكنني لا أعرف حقا. والابنة لا تعيش في البيت بالمناسبة. كانت هناك لقضاء عطلة نهاية الأسبوع فقط؛ فهي غير منسجمة مع زوجة أبيها كما أظن. إن لها عملا في لندن،و لها صديق لا يحبونه كثيرا. هذا ما فهمته.
يبدو أنك تعرفين الكثير عن العائلة.
آه، المرء يسمع الكلام. إن عائلة لوريمر يتكلمون كثيرا؛ فهم دائما في سيرة هذا الشخص أو ذاك، ويسمع المرء الكثير من الأقاويل عن الناس في المنظقة. مع أن المرء يخلط بين الناس أحيانا، وربما كنت قد خلطت بينهم أيضا. ليتني أتذكر الاسم الأول لتلك الفتاة. إنه مرتبط بأغنية ما . ثورا؟ "كلميني يا ثورا، ثورا، ثورا..."، شئ من هذا القبيل ، أم أنه ميرا؟ "ميرا, آه يا ميرا، إن حبي كله لك". شئ من هذا. أم هو نورما؟ أو ربما ماريتانا؟ نورما...نورما ريستاريك . نعم ، أنا واثقة أن هذا صحيح.
ثم أضافت دون رابط للحديث: وهي فتاة ثالثة.
أظنك قلت إنك تظنينها الابنة الوحيدة .
وهكذ هي..أو هذا ما أراه.
إذن مالذي تعنينه بقولك إنها "القتاة الثالثة"؟
يا إلهي! ألا تعرف ماذا تعني عبارة الفتاة الثالثة؟ ألا تقرأ صحيفة التايمز؟
أقرأ الولادات والوفيات وأخبار الزواج. وبعض المقالات التي أجد اهتماما بها.
لا، أعني صفحة الإعلانات الأولى. سأريك.
ذهبت إلى الطاولة الصغيرة وأخذت عنها صحيفة التايمز، ثم قلبت الصفحات وعاد قائلة : هنا...انظر:
"مطلوب فتاة ثالثة لشقة مريحة في الطابق الثاني، غرف مستقلة، تدفئة مركزية، في إيرلزكورت". "مطلوب فتاة ثالثة للمشاركة في شقة، 5 جنيهات في الأسبوع، غرفة خاصة " . "مطلوب فتاة رابعة . ريجنت بارك. غرفة خاصة".
إنها طريقة العيش المفضلة لدى الفتيات اليوم ؛ فهي أفضل من السكن لدى العائلات أو في بيوت الشباب. تستأجر الفتاة الأولى شقة مفروشة ثم تتقاسم الأجرة مع غيرها. وتكون لدى الفتاة الثانية عادة صديقة لها، ثم تجدان فتاة ثالثة عن طريق الإعلان. وكما ترى فإنهن غالبا ما يتمكن من حشر فتاة رابعة معهن. تأخذ الفتاة الأولى أفضل غرفة ، وتدفع الفتاة الثانية مبلغا أقل قليلا،و الثالثة أقل من الثانية ويتم حشرها في زاوية صغيرة . وهي طريقة ناجحة إلى حد بعيد.
وفي أي مكان من لندن تعيش هذه الفتاة التي ربما كان اسمها نورما؟
لا أعرف عنها شيئا في الواقع كما قلت لك.
ولكن بوسعك أن تعرفي؟
آه، نعم . أظن أن ذلك سيكون سهلا تماما.
أأنت واثقة من أنه لم يجر هناك حديث أو ذكر لوفاة مفاجئة؟
أتعني وفاة في لندن أو في بيت ريستاريك؟
في أي منهما.
لا أظن ذلك. هل تريد أن أرى ما يمكنني إثارته زمعرفته عن الآمر.؟
التمعت عينا السيدة أوليفر انفعالا؛ فقد كانت تدخل الآن في صميم التجربة. قال بها بوارو : سيكون ذلك لطفا بالغا منك.
سأتصل بعائلة لوريمر. سيكون هذا الوقت مناسبا تمام للاتصال.
ثم ذهبت نحو الهاتف قائلة: :"سيتعين علي التفكير بأعذار...وربما اختراع بعض الأمور..."، ثم نظرت نحو بوارو بشئ من الارتياب فقال لها: هذا طبيعي ومفهوم. انت امرأة ذات خيال واسع، ولن تجدي صعوبة في ذلك. ولكن ...لا تخرجي بأشياء خيالية جدا. عليك بالاعتدال.
رمته السيدة أوليفر بنظرة تفهم، ثم أدارت قرص الهاتف وطلبت الرقم المطلوب. أدارت رأسها إليه وتمتمت قائلة: هل لديك ورقة وقلم...أو دفتر ملاحظات..شئ أدون عليه الأسماء والعناوين والأماكن؟
كان بوارو قد رتب أصلا وجود دفتر ملاحظات قرب يده، فأومأ لها مطمئنا.
عادت السيدة أوليفر فالتفتت إلى السماعة في يدها وانطلقت تتكلم، فيما استمع بوارو بكل انتباه للمكالمة من طرف واحد.
مرحبا، هل أستطيع التحدث ...آه، هذا أنا يا نعومي. أريادني أوليفر تتكلم. آه نعم...لقد كان جمعا كبيرا بعض الشئ ...آه ، أتعنين العجوز؟ لا ، أنت تعرفين أنني لا أفعل ذلك...أعمى تماما؟..ظننت أنه ذاهب إلى لندن مع تلك الفتاة الأجنبية الصغيرة..نعم، لا بد أن الأمر يثير قلقهم أحيانا...ولكن يبدو أنها تتدبر أمره بشكل جيد...إن أحد أسباب مكالمتي لك هو سؤالك عن عنوان الفتاة..كلا، أعني الفتاة ريستاريك...لقد كان في مكان ما في ساوث كنغستن، أليس كذلك؟ أم أنه في نايتزبريدج؟ لقد وعدتها بإرسال كتاب لها، وكتبت عنوانها، ولكنني أضعته كالعادة . حتى إنني لا أستطيع تذكر اسمها. أهو ثورا أم نورما؟...نعم ، لقد ظننته نورما بالفعل..انتظري لحظة ، سأحضر قلما...نعم، أنا جاهزة ...76 بوردوين مانشينز...أعرفه، ذلك الصف الضخم من الأبنية الذي يبدو مثل السجن...نعم، أظن أن الشقق مريحة جدا فيه بوجود التدفئة المركزية وغير ذلك...من هما الفتاتان الآخريان اللتان تعيشان معها؟..أهما صديقتان لها أم عرفتهما من خلال الإعلان؟...كلاوديا ريسلاند...والدها هو عضو البرلمان، أليس كذلك؟ ومن هي الفتاة الأخرى؟...نعم ظننت أنك لا تعرفين..ولكن أظنها لطيفة تماما هي الأخرى ..ماذا يعملن جميعا؟ يبدو أن معظم هؤلاء الفتيات يعملن سكرتيرات، أليس كلك؟...تظنين أن الفتاة الآخرى تعمل في تصميم الديكورات الداخلية أو في شئ يتعلق بالمتاحف الفنية...كلا يا نعومي، لا أريد حقا أن أعرف...ولكن المرء يتساءل فقط عما تفعله الفتيات في أيامنا هذه؛ فهذا مفيد لي في كتابة قصصي..يريد المرء أن يبقى ملما بآخر أحوال الدنيا.ما هو ذلك الذي أخبرتني به عن وجود صديق ما...نعم، ولكن المرء عاجز تماما، أليس كذلك؟ أعني أن الفتيات يفعلن ما يحلو لهن تماما...هل يبدو الشاب فظيعا جدا ؟ هل هو من ذلك النوع القذر الذي يطلق لحيته بإهمال؟ آه، من ذلك النوع..وشعر كستنائي طويل ملتف ينزل حتى كتفيه..نعم، من الصعب جدا معرفة الشاب من الفتاة، أليس كذلك؟ نعم، إنهم يبدون فعلا كرسومات فاندايك إن كانوا على جانب من الوسامة..ماذا قلتِ؟ إن أندرو ريستاريك يكرهه؟...نعم، هكذا هو دأب الرجال..ماري ريستاريك؟...أحسب أن المرء يتشاجر أحيانا مع زوجة أبيه. أظنها شكرت ربها كثيرا لأن الفتاة وجدت عملا في لندن. ماذا تعنين بقولك إن الناس يقولون أشياء؟ ...لماذا، ألم يستطيعوا معرفة ما بها؟...من قال ذلك؟...نعم،ولكن ما الذي تستروا عليه؟..آه، ممرضة؟...تحدثت مع مربية جينرز؟أتعنين زوجها؟ آه، فهمت ..لم يستطع الأطباء اكتشاف الأمر...كلا، ولكن الناس ذوو طبائع خبيثة جدا. إنني أتفق معك. فهذه الأشياء عادة ما تكون غير صحيحة أبدا...آه، أكان ذلك في المعدة؟..ولكن ما أسخف ذلك. أتعنين أن الناس قالوا إن صاحبنا، ما هو اسمه، أندرو..أتعنين أن من شأن ذلك أن يكون سهلا مع وجود كل تلك المواد القاتلة للأعشاب الضارة في المكان..نعم، ولكن لماذا؟..أعني أن القضية ليست قضية زوجة كرهها زوجها لسنوات طويلة..إنها الزوجة الثانية، وهي أصغر منه بكثير، وجميلة.. نعم، أظن ذلك ممكن..ولكن لماذا تريد الفتاة الأجنبية ذلك أيضا؟..تعنين أنها ربما كانت ساخطة من أشياء قالتها لها السيدة ريستاريك؟ إنها فتاة ضئيلة جذابة جدا..أحسب أن أندرو ربما أعجب بها..ليس بشكل جدي بالطبع..ولكن ربما كان ذلك قد أزعج ماري، وعندها ربما قد تكون هاجمت الفتاة و...
وبزاية عينها لاحظت السيدة أوليفر إشارات بوارو المهتاجة لها فقالت لمحدثتها على الهاتف: دقيقة واحدة يا عزيزتي..إنه الخباز . انتظريني على الخط.
بدا بوارو وكأنه يشعر بالإهانة . وضعت السماعة وأسرعت تعبر الغرفة حيث لحقت ببوارو إلى زاوية منعزلة تستخدم مكانا لتناول الإفطار، وهناك سألت وهي تلهث: ما الأمر؟
قال بوارو بازدراء: خباز، أنا!
كان علي التفكير في عذر ما ، وبسرعة. ما الذي كنت تشير من أجله؟ هل فهمت مالذي كانت..
قاطعها بوارو قائلا: ستخبريني بعد قليل..أعرف ما يكفي.
ما أريد منك فعله هو أن ترتبي – بقدرتك السريعة على الارتجال – مبرروا مقبولا أستطيع معه زيارة عائلة ريستاريك. قولي إني صديق قديم لك، وربما استطعت القول إن...
- اترك الأمر لي؛ سأفكر بشئ ما . هل تريد إعطاء اسم وهمي؟
- كلا، بالتأكيد. دعينا نجعل الأمر بسيطا على الأقل.
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
وساكمل لكن فيي وقت لااحق