الفصل الخامس عشر :
"ظهور الحقيقة"
:61:
أشرقت الشمس ،ودخلت أشعتها غرفة الأمير ،حاملةً معها الأمل الجديد ،فأصبحت "إيليتا" تخبئ الدواء في غرفتها ،وتضع ما يلزم في كأس مقفل يشبه كؤوس التوايل ،وتحمله معها في صينية الطعام ،سواء أكان فطور أم غداء أم عشاء ،ودائماً ما تظهر القلق والخوف أمام الجميع ،وحين تدخل غرفته ،تبتسم لنفسها ،وتقول لنفسها :
"إذا كانت ماكرة ... فأنا أشد مكراً منها"
أيقظها صوت الأمير يسألها :
-ما الذي يجعلك تبتسمين ؟
فتعود لبرودها ،وتقول :
-ها .. لا شيء .
ثم تقدم له صينية الفطور ،فيعتدل في جلسته ،ويبدأ بتناوله بشهية ،بعد فقدانها لأكثر من شهر ،ما جعله هزيلاً بعض الشيء ،لكنه لا يزال يحافظ على وسامته الأخاذة ،ولياقة جسده الفريدة .
توجهت نحو الباب لتنصرف كعادتها ،بعدما اطمئنت أن أحداً لن يمسه بسوء ما دامت تقوم بدورها التمثيلي كما يجب ،لكنه استوقفها قائلاً :
-"إيليتا" ... هل تبقين هنا لبعض الوقت ؟
تجمدت مكانها ،لكنها سرعان ما التفت باتجاهه ،وقالت :
-هل من شيء سيدي ؟
-نعم ... هلا جلستي بقربي من فضلك .
حديثه معها بهذا اللطف أثار دهشتها ،وأحاطها بهواجس مقلقة ،لكن لا مجال لمخالفة أوامره ،فاقتربت بخطوات حذرة بطيئة ،وجلست على الكرسي ،ونظرت إليه كطفل يريد الاستماع لمحاضرة والديه له .
كان مظهرها يثير الضحك ،فلم يتمالك الأمير نفسه ،فضحك بخفة ،ثم قال :
-لم تبدين هكذا ... أنا لا أريد الحديث معك من سيد إلى خادمه ،لكنني بحاجه لبعض الأنس هنا .
رفعت حاجبها باستغراب ،لكنها حركة مثيرة بالنسبة للأمير ،فجعلته يحدق بها لوهلة ،لكنها قطع عليه ذلك بقولها :
-ولماذا أنا سموك ؟أليس "سيسيل" أفضل أنيس لك ؟
فقال بطريقة تدل على شعوره بالملل :
-آه ،دعيك منه .. أصبحت أمل أحاديثه الغبية .
-آه ... نعم ،أنت الأمير ،ويمكنك أن تغير وتبدل من ومتى تشاء .
نظر إليها ،فوجد أنها تنظر إليه بجدية مخيفة ،فتنهد ،وقال :
-ولو لم أكن أميراً وحثل بيننا هذا الحوار ... هل ستقولين ذلك ؟
رأت أنه يستخدم نهجها في محاصرتها ،لكنها لن تقع في فخها ،فقالت :
-لا أدري ،لم يكن بيننا مثل تلك التجربة لأجيبك على تساؤلك .
وإذا به يدخل صلب الموضوع :
-إذاً لماذا لا ألتمس منك ودياً ،كما تظهريه لـ"سيسيل" ،ودائماً تقابليني بهذا الجفاء والبرود ،الذي أثق أنه ليس من خصالك .
نظرت إليه لوهلة ،مدركاً ما يشعره بالغيرة تجاهها ،لقد تصورت أن آخر شخص يمكن أن تكسب ثقته ووده الأمير ،فما حاله الآن يشعر بالغيرة ،ويطلب منها التودد إليه استجابةً لوده نحوها .
قطع حبل أفكارها صوته قائلاً :
-بماذا تفكرين الآن ؟
هزت رأسها كأنما تعدل من وضعيت الشرود ،ثم قالت :
-لا شيء مهم .
-هكذا أنتِ ،تسرحين بمخيلتك ،ولا تخبرين أحداً بذلك ...
ثم أردف بمرارة :
-... باستثناء "سيسيل" ...
ثم أردف بمكر :
-...مع العلم أن "سيسيل" خطيب صديقتك "أليسون" ،وسيتزوجان مع حلول الصيف .
كان يقصد بذلك جرحها ،ليثنيها عنه ،رغم أنها لا تكن شعوراً تجاهه ،كما وتدرك هذه الحقيقة ،ف"أليسون" أخبرتها بذلك ،إذ لا يمكن لخادمة أن تواعد شخصاً تحبه دون أي رابط بينهما ،فما دام المال غير موجود ،فالشرف والكرامة هي مال المنكوبين أمثالهم ،فكرت "إيليتا" :
"إن "أليسون" بالفعل إنسانة صالحة"
كان الأمير ينتظر ردة فعل معينة ،إلا أنه لم يحصل عليها ،فتملكته الدهشه ،فقالت لتجيب دهشته :
-أعلم ذلك .
-حتماً ؟!إذن لماذا تظهرين الود أمامه ؟
حاول أن يوصل إليها رسالة ما ،لكنها قالت بنفاذ صبر :
-الحقيقة المريرة التي لم تتصورها ،هي أن محور حديثنا كان عنك أنت ... ولم يكن به أي من الود الذي تتحدث عنه ،أنا لست من النوع الذي يخون صديقتي ... كم إن "سيسيل" ليس بالشخص الذي أفضله ،لأقد كان يملك المعلومات ،وأنا كنت أملك الخبرة ،وبهذا تعاونا على إنقاذ حضرتك .
دهش الأمير "إيليان" لردة فعلها ،لكنها لا تزال باردة معه ،فقال بشيء من الود :
-أنا لم أشك أبداً بوفائك يا "إيليتا" ،لكنك تدمرينني بجفائك هذا ،وبصدك المستمر لي ،رغم ما أكنه لك من احترام وتقدير ،وأشعر أحياناً أن حديثك مع "سيسيل" أياً كان ما تتحدثان عنه ،وما كان يجمعكما من أسرار ،إنما هو رسالة مجرحة لي ،تجعلني متألماً ،وتجعلبي قلبي يحترق من الحزن ... فأنا من النوع الذي لا يحتمل التهميش يا "إيليتا" ... لا يحتمله إطلاقاً .
نظرت إليه غير مصدقة ،إنه بالكاد يريد أن يوصل لها رسالة ما ،وبطريقة ما ،لكن ما الذي يمنعه ؟
قالت في نفسها :
"لم لا يقول بكل بساطة أنه وقع بحبي .. وأنه يشعر بالغيرة حين يراني أتحدث مع شخص غيره"
ثم أردفت في نفسها مستغربة :
"ولكن كيف يحصل هذا ؟أنا لا أكن له هذا الشعور ،كما أنني خادمته ،ولا يمكنه أن يحبني"
نظر إليها بإمعان ،قال في نفسه :
"ربما انتصرت ،وجعلتها تفكر بما كنت أريدها أن تعرفه ،أو ربما تعجلت ذلك كعادتي ؛فأنا لا أريد أن أخسرها"
قرر أن يجعلها تتحدث إليه بموضوع آخر ،يجعلها تنسى هفوته ،فقال :
-بالمناسبة ،ما هي تلك الأسرار التي كنتما تكتمانها ؟
تنهدت بعمق ،وأشاحت بنظرها إلى الستارة التي تطير داخل الغرفة ،ثم قالت بصوت هادئ حزين :
-لا أدري .
فنفذ صبره ،لكنه حافظ على أعصابه ،وقال :
-مستحيل ،كنتما تجتمعان في غرفتي وتتهامسان فيها ،إذن من حقي أن أعرف ما كان يجول بينكما .
فتذكرت جملتهما المشهورة ،وقالت :
-كل شيء في وقته المناسب سيدي يكون أفضل .
فرفع حاجبه مستهزءاً ،وقال :
-هل تستخدمين عباراتي ؟
فنظرت إليه نظرة بريئة ،كطفل ينظر لوالدته حين يقوم بعمل يغضبها ،ما جعلتها تلك النظرة يبتسم وينسى عصبيته .
لكن فتح الباب بعنف ،جعلهما يحدقان إليه بدهشة ،دخل ثلاثة حراس ،حارس يمسك بـ"سيسيل" وآخران بتقدما الملكة "رافاييل" والملكة "كاثولي" والأميرة "فيونا" .
فوقفت "إيليتا" وانحنت ،ثم اعتدلت لتنظر إلى وجوههم بهدوء وبرود ،وهي تخفي دهشة عميقة .
أشارت الأميرة "فيونا" إليها ،وصاحت :
-إنها هنا ،تكمل عملها الشنيع ... أنظري كيف تغسل دماغ خطيبي ،لتوقعه بشباكها ؟كيف تجرؤ حقيرة مثلها ،بعد سرقتها قلادتي ،على الظهور علانية بتلك الطريقة ؟
نظرت "إيليتا" إليها بمكر وحقد ،ولكن الملكة "رافاييل" قالت تخاطبها :
-أرجو من حضرتك أن تعترفي بالحقيقة ،فهذا يخفف من عقابك يا آنسة .
فصاحت الملكة "كاثولي" :
-كيف تخاطبين فتاة رخيصة بتلك الطريقة ،إنها لا تستحق أي احترام ...
ثم نظرت إليها بمكر ،وقالت :
-لا تقلق ،فأنت إن اعترفت أم لا فعقابك شنيع مثلك .
نظرت "إيليتا" إليها ملياً ،دون أن تتغير ملامح وجهها الرزينة الهادئة ،فصاح الأمير يخاطب والدته :
-هذا كله لا يجوز ... أهكذا تردين جميل فتاة نبيلة أنقذت حياة ابنك .. كيف تسمحين لها بالتدخل بشؤوننا يا أمي .
فصاحت "فيونا" ببراءة :
-أنظري سموك ،كيف غسلت الحقيرة دماغه ،وجعلته يقف إلى صفها ... أنظري كيف يقف بجرأة ويدافع عن حثالة .
فصاح بها :
-لا أسمح لك بتحقيرها يا آنسة .
فشهقت من الدهشة ،لكن الملكة أوقفت هذا الشجار بإشارة من يدها ،وخاطبت "إيليتا" بهدوء :
-إن الملكة "كاثولي" تتهمك بسرقتك قلادة ابنتها ،فكيف ستدافعين عن نفسك ؟
نظر"إيليتا" إلى "سيسيل" المقيد ،والذي يشعر بالإذلال الآن ،وقالت في نفسها :
"إذن قد فعلتها تلك الخبيثة"
ثم رفعت رأسها ،وقالت بصوت واضح ،وواثق ،لا يشوبه قلق :
-حضرتها لا تملك دليلاً لإدانتي .
كادت الملكة "كاثولي" تصرخ بها ،لكن الملكة "رافاييل" أوقفتها بإشارة منها ،ثم قالت تخاطب "إيليتا" :
-آنستي ،الاعتراف بالذنب فضيلة .. أعيدي لها عقدها وتحل المعضلة ببساطة ... أتمنى منك الحقيقة .
-الحقيقة يا جلالة الملكة ،هي أنني لم أسرق شيئاً منها ،كما أنني لا أدخل جناحها ... فمالي وما لها ؟
فنظرت الملكة "رافاييل" إلى الملكة "كاثولي" نظرة شك ،فارتبكت ،فصاحت :
-أنظري إلى جيدها ،حت إنها تجرؤ وتردتديه عليها .. يا للقذارة .
وضعت "إيليتا" قبضتها أسف جيدها ،ونظرت إليها بغضب ،وقالت :
-لا أسمح لحضرتك بالمس بشرفي ،أنا فتاة نبيلة من عائلة نبيلة ،والقلادة التي تتحدثي عنها هي ملكي ... ولا يمكنك أخذها مني ،أو إدعاؤك أنها ملكك.
-ولك لسان لتتكلمي به أيضاً ... لا أصدق أنك يا صاحبة الجلالة توظفين مثل هذه ،قليلة التهذيب .
صاح بها الأمير بكل ما أوتية من قوة :
-كفى ...
لكنهم صمتوا ،ونظروا إلى الملكة "رافاييل" بدهشة ،حين تقدمت نحو "إيليتا" بهدوء ،و"إيليتا" لم تبدي أي حركة ،فهي لم تقم بشيء خطأ لتهرب منها .
أمسكت بشيء ذهبي يلمع على جيدها ،وإذا بها تخرج قلادة ذهبية ،وتحمل معها زمرة كبيرة .
فصاحت الملكة "كاثولي" :
-هل رأيت ؟إنها سارقة ،ويجب أن تعقب ... لا يمكن لفقيرة مثلها أن تملك مثل هذه القلادة الثمينة .
لكنها لم تستمع إليها ،بل نظرت الملكة "رافاييل" إلى القلادة بهدوء ،وهي تخفي دهشة كبيرة ،ثم نظرت إلى "إيليتا" ،وسألتها :
-كيف حصلت عليها ؟
-أهداني إياها جدي ،بعد نجاحي في التمريض .
فصاحت الملكة "كاثولي" :
-هذا كذب !
لكن الملكة "رافاييل" لم تعرها اهتماماً ،وقالت تخاطب "إيليتا" :
-هل يمكنني فتحها ؟
-بالتأكيد .
ففتحت قطعة الزمرد الكبيرة ،وحين رأت الصورة ،لم تستطع أن تخفي شهقتها ،وجحوظ عينيها من الدهشة ،فنظرت "إيليتا" إليها بدهشة ،وقالت :
-هذان والداي ...
فأيقظها صوت "إيليتا"،وتذكرت مكانها ،فاعتدلت ،وأخفت شعورها ،ثم نظرت إلى الملكة "كاثولي" ببرود ،وقالت :
-يمكننا التغاضي عما فعلته يا صاحبة الجلالة من تحقير وإهانة لحاشيتي ،إذا وضبت أغراضك الآن ،ورحلت من هنا .
فصاحت :
-ماذا ؟لا يمكن ذلك .. إن هذه قلادة ابنتي .
فصاحت بها الملكة "رافاييل" بنفاذ صبر :
-إن لم تصمتي الآن ،وتفعلي ماطلبته منك ،فسيكون عقابك وخيماً .
فهمت الملكة "كاثولي" بالدفاع عن نفسها ،والتقدم ،لكن الحارسان أوقفاها برمحيهما .
فأمرت الملكة "رافاييل" أن يترك الحارس الثالث "سيسيل" ،وتوجهت مع الحراس الثلاثة ،والملكة "كاثولي" وابنتها أمامهم ،يسيران بذل وعار .
بقيت "إيليتا" متجمدة في مكانها ،تنظر باتجاه الباب الذي أغلقه "سيسيل" ،وبدا عليها الصدمة والحزن ،فرثى الأمير لحالها ،وحاول النهوض من السرير ،فهو رغم تحسنه إلا أنه لا يقوى على الوقوف ،لكنه لأجلها سيفعل ذلك .
رآه "سيسيل" ينهض من السرير ،فسارع لمساعدته على الوقوف ،لكنه أبعد يده عنه ؛لأنه يريد أن يقوم بذلك وحده ،ثم اقترب منها وهو يستند على الأشياء التي يراها أمامه ،و"سيسيل" يرقابه بذهول ،لكنه وقف مكانه .
وأخيراً اقترب منها ،وأحست بيدين تتلمس كتفيها بحنان ،لكنها بقيت جامدة مكانها .
***
في اليوم التالي ،استعاد الأمير عافية لحد كبير،ووقف عند الشباك المطل على الحديقة ،وابتسم لرؤيته آل "كاثولي" يجمعون حاجاتهم إلى العربة ،وضحك في نفسه لرؤيته الملكة وابنتها في أشد حالات الغضب ،لكنه ما إن رأى شخصاً معهما حتى بدأ يشعر بالقلق .
قال في نفسه :
"ربما لن يتركوننا وشأننا بعد"
***
نادت الملكة "رافاييل" بعد رحيل آل "كاثولي" في طلب "إيليتا" ،فقادتها "روز" إلى جناح الملكة ،فشعرت "إيليتا" بالدهشة لهذا الاهتمام ،رغم ما تشعر به من أثر الصدمة لذلك اليوم المهين .
حين أصبحت "إيليتا" أمام الملكة ،التي جلست على مقعد وثير من أثر التعب والإرهاق ،أومأت برأسها ل"روز" فانحنت ،وخرجت .
مضى سكون مهيب لفترة قصيرة ،ثم قالت الملكة "رافاييل" بهدوء غريب :
-أعرف أنك ما كنت لتصفحي عن تحقيرها لك ،ولكنني قمت بعمل مختصر ،لأن تلك الإهانة ستأتيك بتكريم أفضل مما تتصورينه .
لكن "إيليتا" بقيت صامتة ،غير مصدقة ما يحدث أمامها من أحداث ،لكن ذلك لم يخفى على الملكة ،فقامت على مهل ،وقالت ،وهي تتجه خارج الغرفة :
-اتبعيني .
مشت بها عبر دهليز طويل ،ابتدأ بكونه مضاءاً من جميع الجهات ،ثم بدأ يفقد إنارته شيئاً فشيئاً ،حتى أصبحت مشاعل معدودة تضيئه ،فجعله مهيباً ،ومخيفاً .
توقفت الملكة ،عندما وصلتا آخر الدهليز ،بدا للوهلة الأولى أنه مسدود ،لكن الملكة ضغطت على أحد الأحجار ،فبدأ الجدار بالتحرك ،ليفتح لغرفة صغيرة ،سطعت بنور مهيب .شعرت "إيليتا" بقشعريرة ،وخشية كبيرة لدخولها الغرفة ،ولكن الملكة نظرت إليها نظرة تحثها على الدخول ،فدخلت وهي ترتعد ،وما إن دخلت حتى شهقت شهقة مكتومة .
كانت الغرفة باردة جداً ،ومضاءة بشموع وردية وبيضاء كثيرة ،وفيها تابوتان مغطى الأول بغضاء أبيض ،والآخر بغطاء وردي ،وبينهما في أعلى الحائط علقت صورة كبيرة ،أضافت للمكان الرعب في نفس "إيليتا" .
"إنها ذاتها التي في قلادتها ،ولكن بصورة أكبر .
وضعت يدها أسفل جيدها ،مكان الزمردة المتخفية تحت قبة ثوبها ،وشعرت بشيء غريب ،وحزن عميق رغم أنها لم تراهما من قبل إلى في تلك القلادة والآن ،لكن عيناها اغرورقت بالدموع ،وشعرت بأنها ستبكي عليهما حزناً وألماً لفراقهما .
نظرت الملكة "رافاييل" إليها بأسى ،وأحست بأنها ستنهار في أية لحظة ،فأمسكت بيدها وأخرجتها من الغرفة .
ثم اتجهتا إلى جناح الملكة من جديد ،وهناك وقفت "إيليتا" بصمت ،فقالت الملكة لتخفف عنها :
-كانت ستكون والدتك فخورة بك الآن ... لطالما تمنت أن تكوني ممرضة ،لتساعدي الآخرين .
ثم أعطتها ملفاً ضخماً ،وفتحته "إيليتا" بذهول ،وما رأتها ،حتى لمعت عيناها من السعادة :
-إنها شهادتي !
قالت بصوت خافت ،فابتسمت الملكة لها برضى ،وقالت ملفتةً انتباهها :
-اقرئي ما كتب عليها هنا .
وأشارت على الخط الذي يكتب فيه الأسم ،فحدقت "إيليتا" إليه بذهول ،وقرأت :
"تالينا آن سايمون كوتنيسي"
شهقت "إيليتا" من الذهول ،هي تعرف قصة تلك الفتاة ،فهي من أحرق قصرهم ؛لأن والدها كشف عن مؤامرة "شارلمان كاتليني" التي كانت بموجبها قتل الملك ،وتوليه منصبه ،وحرمان ولي العهد من العرش ،لطالما أحبت تلك القصة ،فهي أكثر القصص تعقيداً ،إذ تنتهي بعدة تساؤلات لا إجابة لها ،ولكنها لم تتصور أبداً أن تكون هي ذاتها تلك الفتاة ،كما أن غاب عن خاطرها أن ما قالته السيدة "إبريل" عن مقتل والديها له صلة بتلك الحادثة ،فكلاهما قتل والداهما حرقاً ،ولكن ...
نظرت إلى الملكة ،وقالت :
-هذا غير ممكن .
-كيف يكون كذلك ؟كل الأدلة تتمحور حولك بوضوح ،ألم تري الصورة ،إنها ذاتها في قلادتك .
-أتقولين أني ابنة رئيس الوزراء "سايمون كوتنيسي" وزوجته "إيلا" .
-يبدو أن جدك حدثك عن ذلك .
-لكنه كان يخبرني بها كقصة خيالية قبل النوم .
فحدقت بها الملكة ،ثم سألتها "إيليتا" لوهلة :
-ولكن كيف عرفت جدي ؟
-إنه أحد الأدلة على أنك ابنة ابنته "إيلا" ،ألم يخبرك باسم عائلاتها الحقيقي ... كنايم؟
فوجمت بذهول ،وأومأت بالنفي ،فابتسمت الملكة "رافاييل" وقالت :
-لا بأس يا عزيزتي ... أنا نفسي لم أكن أعلم أنك كنت تعيشين مع جدك "وليام" ،ولكن السيدة "إيبريل" أخبرتني بذلك ،فهذا كله جزء من الخطة التي رسماها ،بالمناسبة هل تعلمين السيدة "إبريل" ؟
-نعم ،لقد تعرفت عليها في إحدى الأكواخ البعيدة من هنا ... لقد أخبرتني أنها كانت تعمل عند والدتي .
-هذا جيد ،فهي إنسانة يجب أن تعرفيها جيداً ... والآن يا عزيزتي ،ستعودين الآن إلى منصبك :الليدي تالينا آن كوتنيسي ،واسمك "إيليتا" هذا عليك نسيانه ،لأنه أصبح الآن من الماضي ... سأستدعي السيدة "إبريل" لتهتم بك .
لم تستطع "إيليتا" تصور ما يحدث لها ،ولكنها انصاعت لأوامرها .
***