الفصل السادس عشر :
"أما بعد"
ابتهج الملك حين سمع من زوجته أنها وجدتها أخيراً ،بقي يرددها في نفسه :
"لقد وجدتها"
نظر إليها نظرة غير مصدق ما يسمع ،حتى أخبرته بأنه سيقابلها في الحفل الذي يعمل الخدم جاهدين على تنسيقه وترتيبه ،فهذه الحفلة لها شأن عظيم .
بدا مشككاً ،لكن زوجته طمأنته أن كل شيء سار كما ينبغي ،وأن الأدلة جميعها تتكلم عنها .
***
وقفت "إيليتا" عند الدهليز المفتوح تنظر إلى الفتيات اللواتي يغادرن القصر ،فبعد أن عادت "تالينا آن" إلى عرشها ،أصبح ليس من الضروري الاحتفاظ باليتيمات ،فأصدر قرار بإطلاق سراح الجميع ،ومن يرد منهن البقاء والعمل في القصر ،فذاك ليس ببعيد لتحقيقه .
أرادت أن ترى صديقاتها ،ولكنها كادت تفقد الأمل لرؤيتهن ،فقد غادرت جميع الفتيات اللواتي أردن أن يحققن أحلامهن ،وأصبحت الطرق فارغة الآن .
لكنها سمعت صوتاً مألوفاً ،فنظرت أسفل الدرابزين الرخامي ،لتجد "آشا" ،و"أنيسا" و"إميلي" يلوحن لها هناك ،فابتسمت بسعادة ،ونزلت السلالم بسرعة ،ثم ركضت نحوهن ،وتعانقن عناقاً جماعياً ،وما إن انسخلن عن بعضهن حتى ضحكن لمظاهرهن ،فكل منهن اغرورقت عيناها بالدموع .
مسحت "آشا" دمعة تسللت من عيناها ،وقالت :
-لقد افتقدناك كثيراً .
-وأنا أيضاً يا "آش" ،لم يمر يوماً إلا وكنتن في مخيلتي .
ثم لاحظت أنهن يحملن ظروفاً ضخمة كظرفها الذي أعطته إياها الملكة ،فقالت :
-يبدو أنكن حصلتن على الشهادات أيضاً .
-آه ... نعم .
قلن مرة واحدة ،فقالت "أنيسا" بفخر :
-وقد حصلت على شهادة تقدير .
ثم حركت حاجباها بطريقة مستفزة ،فضحكن ثلاثتهن عليها ،وقالت "إيليتا" :
-أنت تستحقينها .
فأجابتها باستحياء :
-شكرا لكِ .
ثم سألتها "آشا" :
-وأنت يا "آل" ،هل أحضروا لك شهادتك .
-بالتأكيد ،ولن تصدقوا ما حصل ...
فقاطعنها قائلات دفعة واحدة :
-نعــــــــــــــــــــــلم !
فضحكت بخفة ،ثم قالت "إميلي" :
-لقد انتشرت الإشاعة في أنحاء القصر كله ،ومع خروج الفتيات ستنتشر في أنحاء المقاطعة .
-آه ... كيف يبدو هذا برأيكن ؟
فتململن قليلاً ،ثم قالت "آشا" :
-لا أدري يا "آل" ،إنه يبدو غريباً بعض الشيء .
ثم قالت "أنيسا" ساخرة :
-يبدو أن حلمك يا "آل" لم يكتب على صفحة القدر .
فلكزتها "إيميلي" ،وقالت "آشا" باستهزاء :
-لكنها حصلت عوضاً عنه بشيء أفضل .
فابتسمت "إيليتا" ابتسامة واسعة ،وقالت :
-إذن هكذا بدا لك الأمر يا "آش" .
فاصطبغت وجنتا "آشا" بحمرة الخجل ،وقالت :
-حسناً ،ربما لم نستغرب هذا ،فأنت تستحقين هذا .
ثم رأت "إيميلي" أن تغير الموضوع ،فقالت تخاطب "إيليتا" :
-بالمناسبة يا "آل" ،كيف يبدو أميرك ؟هل هو وسيم كأمير سندريلا ؟
فضحكن لهذه الطرفة ،وأصبحت وجنتا "إيليتا" متوردتين خجلاً ،وقالت باستحياء :
-لماذا تظنين أنه أميري يا "إيم" ؟
-بالتأكيد ،الجميع يعرف ذلك ... أتقولين أنك جوهر الحدث ،ولا تعرفين أنك ستتزوجين .
فعلقت "أنيسا" ساخرة :
-مسكينة "آل" ... آخر من فكر بالزواج ،وها هي أولنا .
فرفعت "إيليتا" حاجبها ،ثم استطردت "أنيسا" مستهزءة :
-هل ترين كيف خانتك الأقدار يا "آل" عزيزتي ؟
فابتسمت "إيليتا" ،وقالت "آشا" :
-لا عليك "آل" ،هذه الفتاة مضروبٌ على رأسها .
ثم لكزتها بقوة ،فضحكن لصراخ "أنيسا" المضحك .
قاطعن صوت "أليسون" :
-مرحباً ..
فنظرن إليها ،وصاحت "إيليتا" ببهجة :
-"أليسون" ؟!
فابتسمت "أليسون" بابتهاج ،ثم قالت "إيليتا" معرفة :
-هذه صديقتي "أليسون" ... وهؤلاء صديقاتي "آشا" و"أنيسا" و"إيميلي" اللواتي حدثتك عنهن .
فرحبن ببعضهن البعض ،ثم قالت "أنيسا" :
-حسناً يا عزيزتي ... علينا أن نذهب الآن ،فالعمل ينتظرنا .
فضحكن لطريقتها في لفظ الجملة الأخيرة ،وقالت "أيليتا" :
-ستزرنني ،أليس كذلك ؟
فقالت "إيميلي" :
-بالتأكيد ،ما إن تفتحين لنا الأبواب .
-كفاكن ... أهلا بكن هنا في أي وقت ،أنتن صديقاتي ولا تحتجن إلى موعد ... بابي مفتوح لكن دائماً .
فتعانقن بمحبة ،وهن يقلن لها :
-عزيــزتي .
بطريقة ودية ،ثم هممن بالانصراف ،ولوحن لها مودعات ،وعلى شفاتهن ارتسمت ابتسامة سعادة وفرح ،وبقيت "إيليتا" واقفة تنظر إليهن ،حتى ركبن العربة ،واختفت بهن .
قالت "أليسون" لتخفف عنها حزن فراقهن :
-يبدون لطيفات .
-إنهن كذلك .
ثم نظرت إليها ،وقالت :
-وأنت ،أين كنت طوال تلك المدة ؟
-ظننتك مشغولة ... فلم أرد إزعاجك .
-نعم ،لا تريدين إزعاجي ،في الوقت الذي أحتاجك .
فصحكت "أليسون" ،ما جعل "إيليتا" تضحك معها ،وضمتا بعضهما ،وسارتا وهما يلفان ذراعيهما بكتف الأخرى .
قالت "أليسون" :
-ستحضرين حفل زفافي يا "آل" هذا الصيف ،أليس كذلك ؟
فنظرت "إيليتا" إليها ،وقالت :
-بالتأكيد ،وسأساعدك بالترتيبات .
-أوه ،هذا كرم كبير منك .
-كفي عن هذا ،ودعينا الآن نبدأ بالعمل .
***